الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

وضمير الجمع فى قوله - تعالى - { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعود إلى هؤلاء الكافرين الذين يأكلون كما تأكل الأنعام، وذلك باعتبار أن المنافقين فرقة من الكافرين، إلا أنها تخفى هذا الكفر وتبطنه. كما يحتمل أن يعود إلى كل من أظهر الإِسلام، باعتبار أن من بينهم قوما قالوا كلمة الإِسلام بأفواههم دون أن تصدقها قلوبهم. وعلى كل حال فإن النفاق قد ظهر بالمدينة، بعد أن قويت شوكة المسلمين بها. وصاروا قوة يخشاها أعداؤهم، هذه القوة جعلت بعض الناس يتظاهرون بالإِسلام على كره وهم يضمرون له ولأتباعه العداوة والبغضاء... ويؤيدهم فى ذلك اليهود وغيرهم من الضالين. أى ومن هؤلاء الذين يناصبونك العداوة والبغضاء - أيها الرسول الكريم قوم يستمعون إليك بآذانهم لا بقلوبهم. { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } أى من مجلسك الذى كانوا يستمعون إليك فيه، { قَالُواْ } على سبيل الاستهزاء والتهكم { لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من أصحابك، الذين فقهوا كلامك وحفظوه. { مَاذَا قَالَ آنِفاً } أى ماذا كان يقول محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أن نفارق مجلسه. فقوله { آنِفاً } اسم فاعل، ولم يسمع له فعل ثلاثى، بل سمع ائتنف يأتنف واستأنف يستأنف بمعنى ابتدأ. قال القرطبى قوله { مَاذَا قَالَ آنِفاً } أى ماذا قال الآن.. فآنفا يراد به الساعة التى هى أقرب الأوقات إليك، من قولك استأنفت الشئ إذا ابتدأت به ومنه قولهم أمر أُنُف، وروضة أُنُف، أى لم يرعها أحد. وقال الآلوسى ما ملخصه قوله { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ... } هم المنافقون، وإفراد الضمير باعتبار اللفظ، كما أن جمعه باعتبار المعنى. قال ابن جرير، كانوا يحضرون مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاونا منهم. ومقصودهم بقولهم { مَاذَا قَالَ آنِفاً } الاستهزاء وإن كان بصورة الاستعلام. و { آنِفاً } اسم فاعل على غير القياس أو بتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له ثلاثى، بل المسموع استأنف وأتنف. ثم بين - سبحانه - حالهم فقال { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ }. أى أولئك المنافقون الذين قالوا هذا القول القبيح، هم الذين طبع الله - تعالى - على قلوبهم بأن جعلها بسبب استحبابهم الضلالة على الهداية لا ينتفعون بنصح، ولا يستجيبون لخير، وهم الذين اتبعوا أهواءهم وشهواتهم فصاروا لا يعقلون حقا، ولا يفقهون حديثا. فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه هؤلاء المنافقون من مكر وخداع، ومن خبث وسوء طوية. وترد عليهم بهذا الذم الشديد الذى يناسب جرمهم. ثم يعقب - سبحانه - على ذلك ببيان حال المؤمنين الصادقين فيقول { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }.

السابقالتالي
2 3