الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } للإِنكار والنفى، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه السياق، و " من " مبتدأ، والخبر قوله { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ }. والبينة ما يتبين به الحق من كل شئ، كالنصوص الصحيحة فى النقليات والبراهين السليمة فى العقليات. والمراد بمن كان على بينة من ربه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، والمراد بمن زين له سوء عمله، واتبعوا أهوائهم المشركون الذين استحبوا العمى على الهدى. والمعنى أفمن كان على بينة من أمر ربه، وعلى طريقة سليمة من هديه، يستوى مع من كان على ضلالة من أمره، بأن ارتكب الموبقات مع توهمه بأنها حسنات، واتبع هواه دون أن يفرق بين القبيح والحسن؟ لا شك أنهما لا يستويان فى عقل أى عاقل. فإن الفريق الأول مهتد فى منهجه وسلوكه، والفريق الثانى فى النقيض منه. ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بأن بين مصير الفريقين فقال { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ }. والمراد بالمثل هنا الصفة. وهو مبتدأ، والكلام على تقدير الاستفهام الإِنكارى، وتقدير مضاف محذوف، والخبر قوله - تعالى - { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ }. أى أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد فى النار أو أمثل الجنة جزاء من هو خالد فى النار، وقدر الاستفهام فى المبتدأ لأنه مرتب على الإِنكار الساق فى قوله { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ }. ورحم الله - تعالى - صاحب الكشاف، فقد قال فإن قلت ما معنى قوله - تعالى - { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ } كمن هو خالد فى النار؟ قلت هو كلام فى صورة الإِثبات، ومعناه النفى والإِنكار، لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحروف الإِنكار، ودخوله فى حيزه، وانخراطه فى سلكه، وهو قوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ.. }؟ فكأنه قيل أمثل الجنة كمن هو خالد فى النار، أى كمثل جزاء من هو خالد فى النار؟ فإن قلت فلم عرَّى فى حرف الإِنكار؟ وما فائدة التعرية؟ قلت تعريته من حرف الإِنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التى تجرى فيها الأنهار، وبين النار التى يسقى أهلها الجحيم.. وقوله - سبحانه - { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } تفسير مسوق لشرح محاسن الجنة أى صفة الجنة التى وعد الله - تعالى - بها عباده المتقين، أنها فيها أنهار من ماء ليس متغيرا فى طعمه أو رائحته، وإنما هو ماء طيب لذيذ تشتهيه النفوس.

السابقالتالي
2