الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ }

والمراد بنصر المؤمنين لله - تعالى - نصرهم لدينه، بأن يستقيموا على أمره ويتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، إن تنصروا دين الله - عز وجل - وتتبعوا رسوله، { يَنصُرْكُمْ } - سبحانه - على أعدائكم { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } عند قتالكم إياهم ويوفقكم بعد ذلك للثبات على دينه، والشكر على نعمه. وفى معنى هذه الآية، وردت آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وقوله - سبحانه -وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } وقوله - عز وجل -إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } وبعد هذا النداء الذى يحمل أكرم البشارات للمؤمنين، ذم - سبحانه - الكافرين ذما شديداً، فقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }. والاسم الموصول مبتدأ وخبره محذوف، و { تَعْساً } منصوب على المصدر بفعل مضمر من لفظه، واللام فى قوله { لَّهُمْ } لتبيين المخاطب، كما فى قولهم سقيا له، أى أعنى له يقال تعس فلان - من باب منع وسمع - بمعنى هلك. قال القرطبى ما ملخصه وقوله { تَعْساً لَّهُمْ } نصب على المصدر بسبيل الدعاء، مثل سقيا له.. وفيه عشرة أقوال الأول بعداً لهم. الثانى حزنا لهم.. الخامس هلاكا لهم.. يقال تعسا لفلان، أى ألزمه الله هلاكا. ومنه الحديث الشريف " تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة. إن أعطى رضى، وإن لم يعط لم يرض ". وفى رواية " تعس وانتكس، وإذا شيك - أى أصابته شوكة - فلا انتقش " أى فلا شفى من مرضه. والمعنى والذين كفروا فتعسوا تعسا شديدا، وهلكوا هلاكا مبيراً، وأضل الله - تعالى - أعمالهم، بأن أحبطها ولم يقبلها منهم، لأنهم صدرت عن نفوس أشركت مع خالقها ورازقها آلهة أخرى فى العبادة. فقوله { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } معطوف على الفعل المقدر الذى نصب به لفظ " تعسا " ودخلت الفاء على هذا اللفظ، تشبيها للاسم الموصول بالشرط. ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بهم إلى الخسران والضلال فقال { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }. أى ذلك الذى حل بهم من التعاسة والإِضلال بسبب أنهم كرهوا ما أنزله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من قرآن يهدى إلى الرشد، فكانت نتيجة هذه الكراهية، أن أحبط الله أعمالهم الحسنة التى عملوها فى الدنيا كإطعام وصلة الأرحام.. لأن هذه الأعمال لم تصدر عن قلب سليم، يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ثم وبخهم - سبحانه - على عدم اعتبارهم بما فى هذا الكون من عبر وعظات فقال { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.

السابقالتالي
2 3