الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

والمقصود بقوله - تعالى - { أَخَا عَادٍ } هود - عليه السلام - فقد أرسله الله - تعالى - إلى قبيلة عاد، ليأمرهم بعبادة الله - تعالى -، وكانوا قوما جبارين، فلم يستمعوا إلى نصحه، فكانت عاقبتهم الهلاك والتدمير. وقد وردت قصته معهم فى سور متعددة، منها سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة الحاقة.. قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } هو هود بن عبد الله بن رباح، كان أخاهم فى النسب لا فى الدين، إذ أنذر قومه بالأحقاف، والأحقاف ديار عاد.. وهى جمع حقف - بكسر الحاء -، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوج، ولم يبلغ أن يكون جبلا.. ويغلب على الظن أن مساكنهم كانت على مرتفعات من الأرض فى شمال حضر موت، وعلى مقربة من المكان الذى يسمى الآن بالرَّبْع الخالى غربى عُمَان.. والمعنى واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك ليعتبروا ويتعظوا قصة هود - عليه السلام - وقت أن أنذر قومه، وهم يعيشون بتلك الأماكن المرتفعة المسماة بالأحقاف. وقوله { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } جملة حالية من محل نصب. أى جاد هود إلى قومه فأمرهم بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده، وخوفهم من سوء عاقبة مخالفته، والحال أنه قد أخبرهم بأن الرسل الذين سبقوه، والذين يأتون من بعده، كليهم قد بعثهم الله - تعالى - لهداية أقوامهم، ولعبادته - سبحانه - وحده. فالنذر جمع نذير، والمراد بهم الرسل الذين يخوفون أقوامهم من سوء عاقبة الإِشراك مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة. والمراد بقوله { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } الرسل السابقون عليه، والمتأخرون عنه. ثم ذكر - سبحانه - جانبا من نصائح هود لقومه فقال { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }. أى أنذرهم قائلا لهم إنى أحذركم من عبادة أحد سوى الله - تعالى - وآمركم بإخلاص العبادة له - تعالى - وحده، لأنى أخاف عليكم عذاب يوم هائل عظيم، وهو يوم القيامة،يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - بجانب أنه قد أمر قومه بما يسعدهم، فإنه قد بين لهم - أيضا - أنه ما حمله على هذا الأمر إلا خوفه عليهم، وحرصه على نجاتهم من عذاب يوم القيامة. ولكن قومه لم يقابلوا ذلك بالطاعة والإِذعان، بل قابلوا دعوة نبيهم لهم بالإِعراض والاستخفاف، وقد حكى القرآن ذلك بقوله { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }. أى قال قوم هود له - على سبيل الإِنكار والسفاهة - أجئتنا بهذه الدعوة { لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أى لتصرفنا وتبعدنا عن عبادة آلهتنا التى ألفنا عبادتها يقال أَفَك فلان فلانا عن الشئ، إذا صرفه عنه.

السابقالتالي
2 3 4