الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

والاسم الموصول فى قوله - تعالى - { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ.. } بمعنى الذين، وهو مبتدأ وخبره قوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ.. } وهذا صريح فى أن المراد بقوله { وَٱلَّذِي } العموم وليس الإِفراد، وهذا يدل - أيضا - على فساد قول من قال إن الآية نزلت فى شأن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق - رضى الله عنهما - والصحيح أنها فى حق كل كافر عاق لوالديه، منكر للبعث. قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية وهذا عام فى كل من قال هذا، ومن زعم أنها نزلت فى عبد الرحمن بن أبى بكر، فقوله ضعيف، لأن عبد الرحمن اسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه. أخرج البخارى عن يوسف بن مَاهَك قال كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية بن أبى سفيان، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه. فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر شيئا.. فقال مروان إن هذا الذى أنزل فيه { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ... }. فقالت عائشة من وراء حجاب ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذرى. وفى رواية للنسائى أنها قالت كذب مروان، والله ما هو به، ولو شئت أن أسمى الذى نزلت فيه لسميته.. ولفظ " أف " اسم صوت ينبىء عن التضجر، أو اسم فعل مضارع هو أتضجر. والمقصود به هنا إظهار الملل والتأفف والكراهية لما يقوله أبواه من نصح له. وقوله { أَتَعِدَانِنِيۤ } فعل مضارع من وعد الماضى، وحذف واوه فى المضارع مطرد. والنون الأولى نوع الرفع، والثانية نون الوقاية. وقوله { أَنْ أُخْرَجَ } أن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر هو المفعول الثانى لقوله { أَتَعِدَانِنِيۤ }. أى والذى قال لوالديه - على سبيل الإِنكار والإِعراض عن نصحهما - { أُفٍّ لَّكُمَآ } أى أقول بعدا وكرها لقولكما، أو إنى متضجر من قولكما. { أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ } أى أتعداننى الخروج من قبرى بعد أن أموت، لكى أبعث وأحاسب على عملى، والحال أنه { قَدْ خَلَتِ } أى مضت { ٱلْقُرُونُ } الكثيرة { مِن قَبْلِي } دون أن يخرج أحد منهم من قبره، ودون أن يرجع بعد أن مات. فالآية الكريمة تصور بوضوح ما كان عليه هذا الإِنسان، من سوء أدب مع أبويه، ومن إنكار صريح للبعث والحساب والجزاء. ثم حكى - سبحانه - ما رد به الأبوان فقال { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ... }. وقوله { يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ } أى يلتمسان غوثه وعونه فى هداية هذا الإِنسان إلى الصراط المستقيم، والجملة فى محل نصب على الحال. ولفظ " ويلك " فى الأصل، يقال فى الدعاء على شخص بالهلاك والتهديد.

السابقالتالي
2 3