الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

قال الإِمام ابن كثير لما ذكر - تعالى - فى الآية الأولى التوحيد له، وإخلاص العبادة والاستقامة إليه، عطف، بالوصية بالوالدين، كما هو مقرون فى غير ما آية من القرآن، كقولهوَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وقالأَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وقوله - سبحانه - { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً... } من الإِيصاء بالشئ بمعنى الأمر به. قال - تعالى -وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } أى أمرنى بالمحافظة على أدائهما.. وقوله { إِحْسَاناً } قراءة عاصم وحمزة والكسائى. وقرأ غيرهم من بقية السبعة { حسنا } وعلى القراءتين فانتصابهما على المصدرية. أى ووصينا الإِنسان وأمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا أو حسنا، بأن يقدم إليهما كل ما يؤدى إلى برهما وإكرامهما. ويصح أن يكون وصينا بمعنى ألزمنا، فيتعدى لاثنين، فيكون المفعول الثانى منها، قوله { إِحْسَاناً } أو { حسنا }. وقوله - سبحانه - { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } تعليل للإِيصاء المذكور ولفظ { كُرْهاً } قرئ بضم الكاف وفتحها، وهما قراءتان سبعيتان، قالوا ومعناهما واحد كالضُّعف - بتشديد الضاد وفتحها أو ضمها - فهما لغتان بمعنى واحد. وهذا اللفظ منصوب على الحال من الفاعل. أى حملته أمة ذات كره. ووضعته ذات كره، أو هو صفة لمصدر مقدر، أى حملته حملا ذا كره، ووضعته كذلك. ولا شك فى أن الأم تعانى فى أثناء حملها ووضعها لوليدها، الكثير من المشاق والآلام والمتاعب.. فكان من الوفاء أن يقابل ذلك منها بالإِحسان والإِكرام. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى آية أخرىحَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } أى حملته أمة ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم فى بطنها، ازداد ضعفها.. وقوله - تعالى - { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } بيان لمدة الحمل والفطام، والكلام على حذف مضاف. والفصال مصدر فاصل، وهو بمعنى الفطام، وسمى الفطام فصالا، لأن الطفل ينفصل عن ثدى أمه فى نهاية الرضاع. أى ومدة حمل الطفل مع مدة فصاله عن ثدى أمه، ثلاثون شهرا. قال صاحب الكشاف فإن قلت المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال.. قلت لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه، لأنه ينتهى به ويتم، سمى فصالا.. وفيه فائدة، وهى الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته.. وقال الشوكانى وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان، أى مدة الرضاع الكامل، كما فى قوله - تعالى -وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } فذكر - سبحانه - فى هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع. وفى هذه الآية إشارة الى أن حق الأم، آكد من حق الأب، لأنها هى التى حملت وليدها بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب.

السابقالتالي
2 3