الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } * { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } روايات منها أن مشركى مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء، كعمار، وبلال، وعبد الله بن مسعود.. قالوا ذلك. وسبب قولهم هذا، اعتقادهم الباطل، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم، ولا سبق لهم إلى خير.. أى وقال الذين كفروا للذين آمنوا - على سبيل السخرية والاستخفاف بهم -، لو كان هذا الذى أنتم عليه من الإِيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا وخيرا، لما سبقتمونا إليه، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء.. وأنتم الضعفاء الفقراء.. فهم - لانطماس بصائرهم وغرورهم - توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه، ولا يفهم ما يفهمونه.. ومن الآيات الكريمة التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى -وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ.. } وقوله - سبحانه - { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } تعجيب من غرروهم وعنادهم، ورميهم بما هو برئ منه. و " إذ " ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام، أى وإذا لم يهتدوا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من اخبار السابقين، نسبه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه. وشبيه بهذا الآية. قوله - تعالى -وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.. } ثم بين - سبحانه - أن هذا القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية التى سبقته فقال - تعالى - { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً.. }. أى ومن قبل هذا القرآن الذى أنزلناه على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان كتاب موسى وهو التوراة { إِمَاماً } يهتدى به فى الدين { وَرَحْمَةً } من الله - تعالى - لمن آمن به. وقوله { وَمِن قَبْلِهِ } خبر مقدم، و { كِتَابُ مُوسَىٰ } مبتدأ مؤخر، وقوله { إِمَاماً وَرَحْمَةً } حالان من { كِتَابُ مُوسَىٰ }. والمقصود من هذه الجملة الكريمة، الرد على قولهم فى القرآن { هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } فكأنه - تعالى - يقول لهم كيف تصفون القرآن بذلك، مع أنه قد سبقه كتاب موسى الذى تعرفونه، والذى وافق القرآن فى الأمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده، وفى غير ذلك من أصول الشرائع. ثم مدح - سبحانه - هذا القرآن بقوله { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ }.

السابقالتالي
2