الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

وقوله { تُتْلَىٰ } من التلاوة بمعنى القراءة بتمهل وترتيل. أى وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين، آياتنا الواضحة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } أى قالوا للآيات المتلوة عليهم. والتى اشتملت على الحق الذى يهديهم إلى الصراط المستقيم. { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أى قالوا هذا الذى جئتنا به يا محمد سحر واضح، وتمويه ظاهر. والتعبير بقوله - سبحانه - { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } يشعر بأن هؤلاء الجاحدين الجاهلين، قد بادروا إلى وصف ما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه سحر، بدون تفكر أو تأمل أو انتظار. وفى وصفهم لما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه سحر، دليل على عجزهم عن الإِتيان بمثله، أو بسورة من مثله. ثم حكى - سبحانه - جانبا من أكاذيبيهم فقال { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ... } و " أم " هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة، وتفيد الإِضراب والانتقال من حكاية أقوالهم الباطلة السابقة. إلى أقوال أخرى أشد منها بطلانا وكذبا. والاستفهام للإِنكار والتعجب من حالهم. والافتراء أشنع الكذب. أى بل أيقول هؤلاء الكافرون لك - أيها الرسول الكريم - إنك إفتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك؟. ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الرد الذى يخرسهم فقال { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً }. أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - فى الرد على زعمهم أنك افتريت هذا القرآن إن كنت على سبيل الفرض والتقدير قد افتريته من عند نفسى، عاقبنى ربى، ولا تستطيعون أنتم أو غيركم أن تمنعوا عنى شيئا من عذابه وعقابه، وما دام الأمر كذلك فكيف أفتريه، وأنا أعلم علم اليقين أن افتراء شئ منه يؤدى إلى عقابى؟ فجواب " إن " فى قوله { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } محذوف، وتقديره عاجلنى بالعقوبة، وقوله { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } قام مقامه. قال - تعالى -وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } وقوله { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أى الله - تعالى - الذى زعمتم أنى أفترى عليه الكذب، هو أعلم منى ومنكم ومن كل المخلوقات، بما تندفعون فيه من القدح فى آياته، والإِعراض عن دعوته، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من عقاب. فقوله { تُفِيضُونَ } من الإِفاضة، وهى الأخذ فى الشئ باندفاع وعنف، وأصله من فاض الإِناء، إذا سال بشدة. وقوله - سبحانه - { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ترهيب لهم من الإِنسياق فى كفرهم، وترغيب لهم فى الدخول فى الإِيمان لينالوا مغفرة الله - تعالى - ورحمته.

السابقالتالي
2 3 4