الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قال الإِمام الرازى قوله { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أنه - تعالى - لما احتج بكونه قادرا على الإِحياء فى المرة الأولى، وعلى كونه قادراً على الإِحياء فى المرة الثانية فى الآيات المتقدمة، عمم بعد ذلك الدليل فقال { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى لله - تعالى - القدرة على جميع الممكنات سواء أكانت من السماوات أم من الأرض. أى { لِلَّهِ } - تعالى - وحده { مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خلقا وتصرفا وإحياء وإماتة لا راد لقضائه. ولا معقب لحكمه. ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة الكافرين يوم القيامة فقال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ }. أى ولله - تعالى - ملك السماوات والأرض، وله - أيضا - ملك وقت قيام الساعة. لأنه لا يستطيع أحد أن يعلم وقت قيامها، أو يتصرف فيه، إلا هو - عز وجل - وفى اليوم الذى تقوم فيه الساعة يخسر المبطلون، أنفسهم وأهليهم، ويصيرون فى حال شديدة من الهم والغم والكرب، لأنهم كذبوا بهذا اليوم، وكفروا به وقالوامَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } قال الشوكانى وقوله { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } أى المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل، يظهر فى ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار، والعامل فى { يَوْمَ } هو الفعل { يَخْسَرُ } ويومئذ بدل منه، والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه، فيكون التقدير { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } يوم تقوم الساعة، فيكون بدلا توكيديا. والأحسن أن يكون العامل فى { يَوْمَ } هو { مُلْكُ } - أى ما يدل عليه هذا اللفظ. أى ولله - تعالى - ملك السماوات والأرض - وملك يوم تقوم الساعة، ويكون قوله { يَوْمَئِذٍ } معمولا ليخسر.. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } ثم يعرض - سبحانه - مشهدا من مشاهد هذا اليوم الهائل الشديد فيقول { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً }. وقوله - سبحانه - { جَاثِيَةً } من الجثُو وهو الجلوس على الركب بتحفز وترقب وخوف. يقال جثنا فلان على ركبتيه يجثو جثوا وجثيا، إذ برك على ركبتيه وأنامله فى حالة تحفز، كأنه منتظر لما يكرهه. أى وترى - أيها العاقل - فى هذا اليوم الذى تشيب من هوله الولدان، كل أمة من الأمم متميزة عن غيرها، وجاثية على ركبها، مترقبة لمصيرها فى تلهف وخوف فالجملة الكريمة تصور أهوال هذا اليوم، وأحوال الناس فيه، تصويرا بليغاً مؤثرا، يبعث على الخوف الشديد من هذا اليوم، وعلى تقديم العمل الصالح الذى ينفع صاحبهيَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وقوله { كُلَّ أُمَّةٍ } مبتدأ، وقوله { تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } خبره.

السابقالتالي
2 3