الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

و { أَمْ } فى قوله - تعالى - { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } منقطعة، وتقدر ببل والهمزة، وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثانى، والهمزة لإِنكار الحسبان. والاجتراح الاكتساب، ومنه الجارحة للأعضاء التى يكتسب بها كالأيدى. ويقال فلان جارحة أهله، أى هو الذى يكتسب لهم أرزاقهم. وحسب فعل ماض، والذين فاعله، وجملة { أَن نَّجْعَلَهُمْ } ساد مسد المفعولين. والمعنى بل أحسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصى، أن نجعلهم متساوين مع الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات فى دار الدنيا أو فى الدار الآخرة؟ كلا!! لا يستوون فيهما، فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يحيون فى الدنيا حياة طيبة لا مكان فيها للهموم والأحقاد والإِحن ببركة إيمانهم، وفى الآخرة ينالون رضا الله - تعالى - وحسن ثوابه. أما الذين اجترحوا السيئات فهم فى شقاء فى الدنيا وفى الآخرة. قال الشوكانى قرأ الجمهور { سواء } بالرفع على أنه خبر مقدم. والمبتدأ محياهم ومماتهم. والمعنى إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء. وقرأ حمزة والكسائى وحفص { سواء } بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر فى الجار والمجرور فى قوله { كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أو على أنه معفول ثان لحسب. وقوله { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أى بئس حكما حكمهم الذى زعموا فيها تسويتنا بين الذين اجترحوا السيئات، والذين آمنوا وعملوا الصالحات. فالمقصود بهذه الجملة الكريمة، توبيخهم على أحكامهم الباطلة، وأفكارهم الفاسدة. قال الآلوسى قوله { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أى ساء حكمهم هذا، وهو الحكم بالتساوى، فما مصدرية، والكلام إخبار عن قبح حكمهم المعهود. ويجوز أن يكون لإِنشاء ذمهم على أن { سَآءَ } بمعنى بئس، فتكون كلمة { مَا } نكرة موصوفة، وقعت تمييزا مفسرا لضمير الفاعل المبهم والمخصوص بالذم محذوف أى بئس شيئا حكموا به ذلك. ثم أكد - سبحانه - عدم المساواة بين الفريقين فقال { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أى خلقهما خلقا ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل. وقوله { وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } معطوف على مقدر يفهم من سياق الكلام. أى خلقهما بالحق ليبرهن بذلك على وحدانيته وقدرته. ولتجزى كل نفس يوم القيامة بسبب ما اكتسبته من أعمال. ويصح أن يكون معطوفا على قوله { بِٱلْحَقِّ }. أى خلقهما بالحق المقتضى للعدل بين العباد، ولتجزى كل نفس بما كسبت، فهو منعطف المسبب على السبب. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أى الخلائق المدلول عليهم بقوله { كُلُّ نَفْسٍ } لا يلحقهم شئ من الظلم يوم القيامة، لأن الله - تعالى - قد كتب على نفسه أنه لا يظلم أحدا. والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } للتعجب من حال هؤلاء المشركين، ولتسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم من أذى.

السابقالتالي
2 3 4