الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

والمراد بإسرائيل يعقوب عليه السلام - وببنيه ذريته من بعده. والمراد بالكتاب التوراة - أو جنس الكتاب فيشمل التوراة والإِنجيل والزبور. أى والله لقد أعطينا بنى إسرائيل { ٱلْكِتَابَ } ليكون هداية لهم، وآتيناهم - أيضا - { وَٱلْحُكْمَ } أى الفقه والفهم للأحكام حتى يتمكنوا من القضاء بين الناس، وأعطيناهم كذلك { ٱلنُّبُوَّةَ } بأن جعلنا عددا كبيرا من الأنبياء فيهم ومنهم. وهكذا منحهم - سبحانه - نعما عظمى تتعلق بدينهم، أما النعم التى تتعلق بدنياهم فقد بينها - سبحانه - فى قوله { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أى ورزقناهم من المطاعم والمشارب الطيبات التى جعلناها حلالا لهم. وقوله { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } بيان لنعمة أخرى. وللمفسرين فى معنى هذه الجملة اتجاهان أحدهما أن المقصود بها فضلناهم على العالمين بأمور معينة حيث جعلنا عددا من الأنبياء منهم، وأنزلنا المن والسلوى عليهم. قال الآلوسى قوله { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، ونظائرهما، فالمراد تفضيلهم على العالمين مطلقا من بعض الوجوه، لا من كلها، ولا من جهة المرتبة والثواب فلا ينافى ذلك تفضيل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - عليهم من وجه آخر، ومن جهة المرتبة والثواب. والثانى أن المقصود بها فضلناهم على عالمى زمانهم. قال الإِمام الرازى، ما ملخصه فإن قيل إن تفضيلهم على العالمين، يقتضى تفضيلهم على أمة - محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا باطل، فكيف الجواب؟ قلنا الجواب من وجه أقربها إلى الصواب أن المراد فضلتكم على عالمى زمانكم، وذلك لأن الشخص الذى سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود، لم يكن من جملة العالمين حال عدمه، وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تكن موجودة فى ذلك الوقت، فلا يلزم من كون بنى إسرائيل أفضل العالمين فى ذلك الوقت، أنهم أفضل من الأمة الإِسلامية. وقال الشيخ الشنقيطى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ }. ذكر - سبحانه - فى هذه الآية أنه فضل بنى إسرائيل على العالمين، كما ذكر ذلك فى آيات أخرى.. ولكن الله - تعالى - بين أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير من بنى إسرائيل، وأكرم على الله، كما صرح بذلك فى قولهكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فخير صيغة تفضيل، والآية نص صريح فى أنهم خير من جميع الأمم، بنى إسرائيل وغيرهم. ويؤيد ذلك من حديث معاوية بن حيدة القشيرى، " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال فى أمته أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله " ، وقد رواه عنه الإِمام أحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم وهو حديث مشهور.

السابقالتالي
2 3 4