الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }

والمراد بالآيات فى قوله - سبحانه - { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ.. } آيات القرآن الكريم، كما فى قوله - تعالى -تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } و { تَلْكَ } مبتدأ، و { آيَاتُ ٱللَّهِ } خبر و { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } حال عاملها ما دل عليه { تَلْكَ } من معنى الإِشارة. وقوله { بِٱلْحَقِّ } حال من فاعل { نَتْلُوهَا } أو من مفعوله، أى نتلوها محقين، أو ملتبسة بالحق. أى تلك - أيها الرسول الكريم - آيات الله - تعالى - المنزلة إليك، نتلوها عليك تلاوة ملتبسة بالحق الذى لا يحوم حوله باطل. وكانت الإِشارة للبعيد، لما فى ذلك من معنى الاستقصاء للآيات، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء فى مقاصدها. وأضاف - سبحانه - الآيات إليه، لأنه هو الذى أنزلها على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفى هذه الإِضافة ما فيها من التشريف لها، والسمو لمنزلتها. وجعل - سبحانه - تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له، للإِشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج فى تلاوته عما أمره الله - تعالى - به، فهو رسوله الأمين، إلى رسله المكرمين. وقوله - سبحانه - { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } تعجيب من حالهم، حيث أصر هؤلاء الكافرون على كفرهم، مع وضوح البراهين والأدلة على بطلان ذلك. أى فبأى حديث بعد آيات الله المتلوة عليك يؤمن هؤلاء الجاهلون؟ إن عدم إيمانهم بعد ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، دليل على انطماس بصائرهم، واستيلاء العناد والجحود على قلوبهم. قال الآلوسى وقوله { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } هو من باب قولهم أعجبنى زيد وكرمه، يريدون أعجبنى كرم زيد، إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة فى الإِعجاب. أى فبأى حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان، ولا آية أدل من هذه الآية. وقال الواحدى فبأى حديث بعد حيث الله، أى القرآن، وقد جاء إطلاقه عليه فى قوله - تعالى -ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ.. } وحسن الإِضمار لقرينة تقدم الحديث. وقوله { وَآيَاتِهِ } عطف عليه لتغايرهما إجمالا وتفصيلا.. والفاء فى جواب شرط مقدر، والظرف صفة { حَدِيثٍ }. ثم هدد - تعالى - هؤلاء المشركين بقوله { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }. والويل لفظ يدل على الشر أو الهلاك. وهو مصدر لا فعل له من لفظه، وقد يستعمل بدون حرف النداء كما هنا، وقد يستعمل معه كما فى قوله - تعالى -يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } والأفاك هو الإِنسان الكثير الإِفك وهو أشنع الكذب وأقبحه. والأثيم هو الإِنسان المرتكب للذنوب والآثام بقلبه وجوارحه، فهو سيئ الظاهر وسيئ الباطن.

السابقالتالي
2 3