الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } * { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } * { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } * { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ }

سورة " الدخان " من السور المبدوءة بالحروف المقطعة، وقد سبق أن قلنا إن أقرب الآراء إلى الصواب فى معناها أن الله - تعالى - جاء بها فى أوائل بعض السور للتحدى والتعجيز والتنبيه إلى أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - فكأنه - تعالى - يقول للمكذبين هذا هو القرآن، مؤلف من كلمات وحروف هى من جنس ما تتخاطبون به، فإن كنتم فى شك فى كونه من عنده - تعالى - فأتوا بسورة من مثله.. فعجزوا وانقلبوا خاسرين، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى -. والواو فى قوله - تعالى - { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } للقسم، وجوابه { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ }. والمراد بالليلة المباركة ليلة القدر... أى وحق هذا القرآن الواضح الكلمات، البين الأسلوب، لقد ابتدأنا إنزاله فى ليلة كثيرة البركات والخيرات. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذه الليلة بأنها مباركة، لزيادة خيرها وفضلها، ولما تتابع فيها من نعم دينية ودنيوية.. ولله - تعالى - أن يفضل بعض الأزمنة على بعض وبعض الأمكنة على بعض وبعض الرسل على بعض.. لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه.. قال الإِمام ابن كثير " يقول الله - تعالى - " مخبرا عن هذا القرآن الكريم أنه أنزله فى ليلة مباركة، وهى ليلة القدر، كما قال - تعالى -إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ.. } وكان ذلك فى شهر رمضان، كما قال - تعالى -شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } ومن قال بأنها - أى الليلة المباركة - ليلة النصف من شعبان - كما روى عن عكرمة - فقد أبعد النَّجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان ". هذا وقد فصل بعضهم أدلة من قال بأن المراد بها ليلة القدر، وأدلة من قال بأن المراد بها ليلة النصف من شعبان. والحق أن المراد بها ليلة القدر، التى أنزل فيها القرآن من شهر رمضان، كما نصت على ذلك آية سورة البقرة التى تقولشَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ... } والأحاديث التى أوردها بعضهم فى أن المراد بها ليلة النصف من شعبان، أحاديث مرسلة أو ضعيفة، أو لا أساس لها.. فثبت أن المراد بها ليلة القدر. وقوله - سبحانه - { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } استئناف مبين لمقتضى الإِنزال.. والإِنذار إخبار فيه تخويف وترهيب، كما أن التبشير إخبار فيه تأمين وترغيب. أى أنزلنا هذا القرآن فى تلك الليلة المباركة، أو ابتدأنا إنزاله فيها، لأن من شأننا أن نخوف بكتبنا ووحينا، حتى لا يقع الناس فى أمر نهيناهم عن الوقوع فيه. وقوله - تعالى - { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } جملة مستأنفة - أيضا - لبيان وجه تخصيص هذه الليلة بإنزال القرآن فيها.

السابقالتالي
2