الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } * { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ }

واللام فى قوله - تعالى - { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ.. } موطئة للقسم. وقوله { فَتَنَّا } من الفتن بمعنى الاختبار والامتحان. يقال فتنت الذهب بالنار، إذا أدلخته فيها لتعرف جودته من رداءته. والمراد به هنا إخبارهم وامتحانهم، بإرسال موسى - عليه السلام - وبالتوسعة عليهم تارة، وبالتضييق عليهم تارة أخرى. والمعنى والله قد اختبرنا فرعون وقومه من قبل أن نرسلك - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء المشركين، وكان اختبارنا وامتحاننا لهم عن طريق إرسال نبينا موسى إليهم، وعن طريق ابتلائهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون إلى طاعتنا، ولكنهم لم يرجعوا فأهلكناهم. فالآية الكريمة المقصود بها تسلية - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه، ببيان أن تكذيب الأقوام لرسلهم، حاصل من قبله، فعليه أن يتأسى بالرسل السابقين فى صبرهم. والمراد بالرسول الكريم فى قوله - تعالى - { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } موسى - عليه السلام -، فقد أرسله - سبحانه - إلى فرعون وقومه، فبلغهم رسالة ربه، ولكنهم كذبوه وعصوه.. ووصف - سبحانه - نبيه موسى بالكرم، على سبيل التشريف له، والإِعلاء من قدره، فقد كان - عليه السلام - كليما لربه، ومطيعا لأمره، ومتحليا بأسمى الأخلاق وأفضلها. و { أَنْ } فى قوله - تعالى - { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ.. } مفسرة لأن مجئ الرسول إليهم يتضمن معنى القول. وقوله { أَدُّوۤاْ إِلَيَّ } بمعنى سلموا إلى، أو ضموا إلى... قوله { عِبَادَ ٱللَّهِ } مفعول به. والمراد بهم بنو إسرائيل. والمعنى جاء إلى فرعون وقومه رسول كريم، هو موسى - عليه السلام -، فقال لهم سلموا إلى بنى إسرائيل، وأطلقوهم من الذل والهوان، واتركوهم يعيشون أحرارا فى هذه الدنيا. ويؤيد هذا المعنى قوله - تعالى - فى موضع آخرفَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ.. } ويصح أن يكون المراد بقوله { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ.. } بمعنى أن استجيبوا لدعوتى، والمراد بالعباد ما يشمل بنى إسرائيل وغيرهم، ويكون لفظ { عِبَادَ ٱللَّهِ } منصوب بحرف نداء محذوف. وعليه يكون المعنى أرسلنا إلى فرعون وقومه رسولا كريما، فجاء إليهم وقال لهم على سبيل النصح والإِرشاد، يا عباد الله، إنى رسول الله إليكم، فاستمعوا إلى قولى، واتبعوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله - تعالى - وحده، وترك عبادة غيره. قال الآلوسى قوله { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ... } أى أطلقوهم وسلموهم إلى، والمراد بهم بنو إسرائيل الذين كان فرعون يستعبدهم، والتعبير عنهم بعباد الله، للإِشارة إلى أن استعباده إياهم ظلم منه لهم.. أو أدوا إلى حق الله - تعالى - من الإِيمان وقبول الدعوة يا عباد الله، على أن مفعول { أَدُّوۤاْ } محذوف، وعباد منادى، وهو عام لبنى إسرائيل والقبط والأداء بمعنى الفعل للطاعة - وقبول الدعوة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6