الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } * { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } * { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } * { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } * { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } * { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } * { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ }

و { بَلْ } فى قوله - تعالى - { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } للاضراب الإِبطالى، لأن المقصود من الآية الكريمة، نفى إيقانهم بأن خالق السماوات والأرض هو الله، لعدم جريهم على ما يقتضيه هذا الإِيقان، لأنهم لو كانوا موقنين حقا بذلك، لأخلصوا لله - تعالى - العبادة والطاعة. فيكون المعنى إن هؤلاء الكفار لم يكونوا موقنين بأن رب السماوات والأرض وما بينهما هو الله، بل قالوا ما قالوا فى ذلك على سبيل الشك واللعب. قال الآلوسى " قوله { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ... } إضراب إبطالى، أبطل به إيقانهم لعدم جريهم على موجبه، وتنوين { شَكٍّ } للتعظيم، أى فى شك عظيم. { يَلْعَبُونَ } أى لا يقولون ما يقولون عن جد وإذعان، بل يقولونه مخلوطا بهزء ولعب. وهذه الجملة خبر بعد خبر لهم... والالتفات عن خطابهم لفرط عنادهم، وإهمال أمرهم.. ". والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها، ولتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالصبر حتى يحكم الله بينه وبينهم. والارتقاب الانتظار، وأكثر ما يستعمل الارتقاب فى الأمر المكروه والمراد باليوم مطلق الوقت، وهو مفعول به لارتقب. قال الآلوسى ما ملخصه " والمراد بالسماء جهة العلو، وإسناد الإِتيان بذلك إليها من قبيل الإِسناد إلى السبب، لأنه يحصل بعدم إمطارها... ". أى فارتقب يوم تأتى السماء بجدب ومجاعة، فإن الجائع جدا يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، وهى ظلمة تعرض للبصر لضعفه.. وإرادة الجدب والمجاعة منه مجاز، من باب ذكر المسبب وإرادة السبب.. وبعض العرب يسمى الشر الغالب دخانا، ووجه ذلك أن الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه، وأريد به هنا الجدب، ومعناه الحقيقى معروف ". وللمفسرين فى معنى هذه الآية إتجاهات أولها ما ورد فى الحديث الصحيح من " أن مشركى مكة، لما أصروا على كفرهم وعلى إعراضهم عن الحق، دعا عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله " اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف.. " فأصابهم القحط والبلاء والجوع.. وكنى عن ذلك بالدخان، لأن العرب يسمون الشر الغالب بالدخان، فيقولون كان بيننا أمر ارتفع له دخان.. والسبب فيه أن الإِنسان إذا اشتد ضعفه، أظلمت عيناه، فيرى الدنيا كالمملوءة بالدخان. روى البخارى وغيره عن ابن مسعود قال " إن قريشا لما أبطأت عن الإِسلام، واستعصت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسنى يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان... فقيل يا رسول الله، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم فسقوا، فأنزل الله { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } ".

السابقالتالي
2 3 4