الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } * { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }

وقوله - تعالى - { ٱلأَخِلاَّءُ } جمع خليل بمعنى صديق. وسمى الأصدقاء أخلاء، لأن المودة التى بينهم تخللت قلوبهم واختلطت بنفوسهم. أى الأصدقاء فى الدنيا، يصير بعضهم لبعض يوم القيامة أعداء، لأنهم كانوا يجتمعون على الشرور والآثام فى الدنيا، وكانوا يتواصون بالبقاء على الكفر والفسوق والعصيان فلما جاء يوم القيامة، وانكشفت الحقائق.. انقلبت صداقتهم إلى عداوة. { إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } فإن صداقتهم فى الدنيا تنفعهم فى الآخرة، لأنهم أقاموها على الإِيمان والعمل الصالح والطاعة لله رب العالمين. فالآية الكريمة إنذار للكافرين الذين كانت صداقاتهم فى الدنيا تقوم على محاربة الحق، ومناصرة الباطل... وبشارة عظيمة للمتقين الذين بنوا صداقتهم فى الدنيا على طاعة الله - عالى - ونصرة دينه، والعمل بشريعته. ثم بشر الله - تعالى - عباده بجملة من البشارات الكريمة، فقال - تعالى - { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ }. والخوف معناه توقع ما يخشاه ويغتم له الإِنسان فى المستقبل. والحزن معناه غم يلحق الإِنسان من أجل شئ مضى. وقوله { تُحْبَرُونَ } أى تفرحون وتسرون سرورا عظيما يظهر حباره - بفتح الحاء وكسرها - أى أثره الحسن على وجوهكم وأفئدتكم، فهو من الحبَر - بفتح الحاء والباء - بمعنى الأثر. ويصح أن يكون من الحَبْر - بسكون الباء - بمعنى الزينة وحسن الهيئة. وبهذا ترى الآيات الكريمة قد نفت عنهم الخوف والحزن، وفتحت لهم أبواب الجنة، وأعلمتهم بأنهم سيكونون هم وأزواجهم فى سرور دائم. أى يقول الله - تعالى - لعباده من المؤمنين يوم القيامة يا عباد الذين شرفتكم بالإِضافة إلى ذاتى، لا خوف عليكم اليوم من أمر المستقبل، ولا أنتم تحزنون على أمر مضى. وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } فى محل نصب، صفة لقوله " يا عباد " أى يا عباد الذين آمنوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وعلى صدق نبينا - صلى الله عليه وسلم -. وكانوا فى الدنيا مخلصين وجوههم لنا، وجاعلين أنفسهم سالمة لطاعتنا.. { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } أى ونساؤكم المؤمنات { تُحْبَرُونَ } أى تسرون وتتلذذون بتلك النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليكم. فالمراد بأزواجهم هنا نساؤهم، لأن فى هذه الصحبة تلذذا أكثر، ونعيما أكبر. والإِضافة فى قوله { أَزْوَاجُكُمْ } للاختصاص التام، فتخرج الأزواج غير المؤمنات. ومنهم من يرى أن المراد بقوله { وَأَزْوَاجُكُمْ } نظراؤكم وأشباهكم فى الطاعة لله - تعالى -. أى ادخلوا الجنة أنتم وأشباهكم فى الإِيمان والطاعة، دخولا لا تنالون معه إلا الفرح الدائم، والسرور الذى لا انقطاع له. وشبيه بهذ الآية قوله - تعالى -إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ }

السابقالتالي
2 3 4