الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

وقصة موسى - عليه السلام - مع فرعون ومع بنى إسرائيل، على رأس القصص التى تكرر الحديث عنها فى القرآن الكريم، فى سور متعددة، وذلك لما فيها من مساجلات ومحاورات بين أهل الحق وأهل الباطل، ولما فيها من عبر وعظات لقوم يعقلون. لقد وردت هذه القصة فى سور البقرة، والأعراف، ويونس، وهود، والإِسراء، وطه، والقصص، والصافات، وغافر.. ولكن بأساليب متنوعة يكمل بعضها بعضا. وهنا تبدأ هذه القصة بقوله - تعالى - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. أى والله لقد أرسلنا نبينا موسى - عليه السلام - { بِآيَاتِنَآ } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، والتى على رأسها اليد والعصا.. وأرسلناه بهذه الآيات { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أى أشراف قومه فقال لهم ناصحا ومرشدا إنى رسول رب العالمين إليكم، لآمركم بعبادة الله - تعالى - وحده، وأنهاكم عن عبادة غيره. { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } أى فحين جاء موسى - عليه السلام - إلى فرعون وملئه بآياتنا الدالة على قدرتنا سارعوا إلى الضحك والسخرية بها، بدون تأمل أو تدبر، شأن المغرورين الجهلاء. فقوله - تعالى - { إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } جواب { لَمَّا } والتعبير يشير إلى مسارعتهم إلى السخرية والاستخفاف بالآيات التى جاء بها موسى - عليه السلام -، مع أن هذه الآيات كانت تقتضى منهم التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون. وقوله - سبحانه - { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } بيان لقسوة قلوبهم، وعدم تأثرها بالآيات والمعجزات. أى وما نريهم من آية دالة على صدق نبينا موسى، إلا وتكون هذه الآية أكبر من أختها السابقة عليها، فى الدلالة على ذلك، مع كون الآية السابقة عظيمة وكبيرة فى ذاتها. والمقصود بالجملة الكريمة، بيان أن هؤلاء القوم لم يأتهم موسى - عليه السلام - بآية واحدة تشهد بصدقه فيما جاءهم به من عند ربه، وإنما أتاهم بمعجزات متعددة، وكل معجزة أدل على صدقه مما قبلها. ويصح أن يكون المراد وصف الجميع بالكبر، على معنى أن كل واحدة لكمالها فى ذاتها، إذا نظر إليها الناظر، ظنها أكبر من البواقى لاستقلالها بإفادة الغرض الذى جاءت من أجله. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله والغرض بهذا الكلام، أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة فى الأشياء التى تتلاقى فى الفضل. وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير، أن تختلف آراء الناس فى تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا، وبعضهم ذاك، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك، ومنه بيت الحماسة

السابقالتالي
2 3 4