الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

وقوله - سبحانه - { يَعْشُ } أى يعرض. يقال عشا فلان يعشو، كدعا يدعو، وعشى يعشى، كرضى يرضى، إذا ضعف بصره، ومنه قولهم ناقة عشواء، إذا كانت لا تبصر إلا شيئا قليلا، والمراد هنا عمى البصيرة وضعف إدراكها للخير. ومنه قولهم ركب فلان العشواء، إذا خبط أمره على غير هدى أو بصيرة. والمعنى ومن يتعام عن ذكر الرحمن، ويعرض عن قرآنه، ويتجاهل هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أى، نهيئ ونسبب له شيطانا رجيما يستولى عليه، ويستحوذ على قلبه وعقله. { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أى فذلك الشيطان يكون ملازما ومصاحبا لهذا الإِنسان الذى أعرض عن القرآن، ملازمة القرين لقرينه، والشئ لظله. ومن الآيات التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى -وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } ثم بين - سبحانه - الآثار التى تترتب على مقارنة الشيطان للإِنسان فقال { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }. والضمير فى { وَإِنَّهُمْ } يعود إلى الشيطان باعتبار جنسه، وفى قوله - تعالى - { لَيَصُدُّونَهُمْ } يعود إلى { وَمَن } فى قوله { وَمَن يَعْشُ... } باعتبار معناها. أى ومن يعرض عن طاعة الله، نهيئ له شيطانا، فيكون ملازما له ملازمة تامة، وإن هؤلاء الشياطين وظيفتهم أنهم يصدون هؤلاء الفاسقين عن ذكر الله - تعالى -، وعن سبيله الحق وصراطه المستقيم. { وَيَحْسَبُونَ } أى هؤلاء الكافرون { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } إلى السبيل الحق. فالضمائر فى قوله { وَيَحْسَبُونَ } وما بعده يعود إلى الكافرين. ويصح أن يكون الضمير فى قوله { وَيَحْسَبُونَ } يعود إلى الكفار، وفى قوله { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } يعود إلى الشيطان، فيكون المعنى ويظن هؤلاء الكافرون أن الشياطين مهتدون إلى الحق، ولذلك اتبعوهم وأطاعوهم. ثم بين - سبحانه - ما يكون بين هذا الإِنسان الكافر وبين قرينه من الشياطين يوم القيامة، فقال - تعالى - { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ }. أى لقد استمر هذا المعرض عن ذكر الله فى غيه. ومات على ذلك حتى إذا جاءنا يوم القيامة لحساب والجزاء، { قَالَ } لقرينه الذى صده عن طريق الحق.. { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أى أتمنى أن تكون المسافة التى بينى وبينك من البعد والمفارقة، كالمسافة التى بين المشرق والمغرب. فالمراد بالمشرقين المشرق والمغرب فعبر - سبحانه - بالمشرقين على سبيل التغليب لأحدهما على الآخر. { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أى فبئس القرين أنت - أيها الشيطان - فالمخصوص بالذم محذوف. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما سيقال لهذا العاشى عن ذكر الله ولقرينه على سبيل التأنيب والتوبيخ فقال { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ.

السابقالتالي
2 3 4