الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

أى واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك حال جدك إبراهيم - عليه السلام - وقت أن قال لأبيه آزر ولقومه الذين كانوا عاكفين على عبادة الأصنام، مقلدين فى ذلك آباءهم... قال لهم إننى برئ مما تعبدونه من هذه الأوثان. وذكرهم - سبحانه - هنا بحال إبراهيم، لأنه كان أعظم آبائهم، ومحط فخرهم، والمجمع على محبته منهم. فكأنه - تعالى - يقول لهم هذا هو حال جدكم إبراهيم الذى تعتزون به فلماذا لم تقلدوه فى إنكاره لعبادة الأصنام، وفى هجره لما كان عليه أبوه وقومه، وإخلاصه العبادة لله - تعالى - وحده. وقوله { بَرَآءٌ } مصدر وقع موقع الصفة وهى برئ، على سبيل المبالغة فى التبرى من عبادتهم لغير الله - تعالى - يقال تبرأت من فلان، فأنا منه براء. أى كرهت قوله وفعله والقرب منه. والاستثناء فى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } منقطع، أى أنا برئ من عبادة أصنامكم، لكنى أعبد الذى خلقنى وفطرنى بقدرته، فإنه والذى سيهدين إلى الصراط المستقيم. ويصح أن يكون متصلا بناء على أنهم كانوا يعبدون الله - تعالى - ويشركون معه فى هذه العبادة أصنامهم. أى إننى برئ من عبادة أصنامكم، إلا أنى لا أعبد إلا الله - تعالى - الذى فطرنى. أى خلقنى بقدرته على غير مثال سابق. وقال هنا { سَيَهْدِينِ } وقال فى آية أخرىٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } للدلالة على ثقة ابراهيم - عليه السلام - بفضل ربه - تعالى - عليه، وأنه يهديه فى الحال وفى الاستقبال، وأن هذه الهداية مصاحبة له فى كل وقت من أوقات حياته. ومن الآيات الكثيرة التى تشبه هاتين الآيتين قوله - تعالى - حكاية عن نبيه إبراهيمفَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ... } وقوله - سبحانه -قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ... } والضمير المنصوب فى قوله - تعالى - بعد ذلك { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ... } يعود إلى كلمة التوحيد، والمشتملة على البراءة من كل عبادة لغير الله - تعالى -، والمعبر عنها قبل ذلك بقوله - تعالى - { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ }. وضمير الفاعل المستتر فى قوله - سبحانه - { وَجَعَلَهَا... } يعود إلى الله - تعالى -. أى وجعل الله - تعالى - بفضله وكرمه، كلمة التوحيد، باقية فى عقب ابراهيم، وفى ذريته من بعده، بأن جعل من ذريته الأنبياء والصالحين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.

السابقالتالي
2 3 4 5