الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } * { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

والمراد بالجعل فى قوله - تعالى - { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا... } الاعتقاد الباطل، والحكم الفاسد. والمراد بالجزء الولد. والمقصود به خصوص البنات، كما يدل عليه سياق الآيات. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا... } متصل بقوله - تعالى - قبل ذلكوَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ... } والمراد بيان تناقضهم فى أنفسهم.. حيث اعترفوا بأنه - تعالى - خالق السماوات والأرض، ثم وصفوه بصفات المخلوقين.. وعبر عن الولد بالجزء، لأنه بضعة - وفرع - من والده، كما قيل أولادنا أكبادنا.. وقيل الجزء اسم للإِناث، يقال أجزأت المرأة إذا ولدة أنثى.. أى أن هؤلاء المشركين بلغ من تناقضهم فى أقوالهم وأفعالهم، أنهم إذا سألهم سائل عن خالق هذا الكون قالوا الله. ومع ذلك فهم لجهالتهم اعتقدوا اعتقادا باطلا بأن الملائكة بناته، مع أن الملائكة من مخلوقاته التى يشملها هذا الكون. فالمقصود من الآية الكريمة تجهيل هؤلاء المشركين، وتعجيب كل عاقل من سفاهتهم. والظاهر أن المراد بالإِنسان فى قوله - تعالى - { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } الكافر والفاسق من بنى آدم، لأن الإِنسان المؤمن لا يجحد نعم الله، وإنما يشكره - تعالى - عليها. أى إن الإِنسان الكافر والفاسق عن أمر ربه، لشديد الجحود لنعم ربه، مظهرا ذلك فى أقواله وفى أفعاله. ثم ساق - سبحانه - ما يدل على السخرية منهم ومن أحوالهم الشاذة فقال { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } فالاستفهام للتوبيخ والإِنكار. و { أَصْفَاكُم } أى آثركم واختصكم. يقال أصفى فلان فلانا بالشىء، إذا اختصه به. ومنه قولهم لما يختص السلطان به نفسه من الأشياء النفسية الصوافى. أى لقد زعمتم أن الملائكة بنات الله، فخبرونى بربكم هلى يعقل أن يتخذ الله - تعالى - أولاده من البنات اللائى هن أقل منزلة من البنين فى تقديركم، ويترك لكم الذكور؟ إن من شأن الذى يختار جنس الأولاد أن يختار أعلاهم منزلة فبأى منطق زعمتم أن الملائكة بنات الله. قال صاحب الكشاف قوله { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ... } أى بَلْ آتخذ والهمزة للإِنكار، تجهيلا لهم، وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزءين. وهو الاِّناث دون الذكور.. فكأنه قيل هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه - تعالى - جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحون من الشطط فى القسمة، ومن ادعائكم أن آثركم على نفسه بخير الجزءين..؟. ثم أكد - سبحانه - جهلهم وغفلتهم عن المنطق السليم فقال { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ.. }. أى أنهم قالوا الملائكة بنات الله، والحال أن الواحد منهم إذا بشره بأن امرأته قد ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من شدة الحزن، وظل ممتلئا بالهم والكرب.

السابقالتالي
2 3 4 5