الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

والكاف فى قوله - تعالى - { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً.. } فى محل نصب على المصدرية، واسم الإِشارة يعود إلى مصدر { أَوْحَيْنَآ }. أى ومثل ذلك الإِيحاء البديع الواضح، أوحينا إليك - أيها الرسول الكريم - قرآنا عربيا، لا لبس فيه ولا غموض. وقوله - سبحانه - { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } تعليل لهذا الإِحياء. والمراد بأم القرى أهلها. وسميت مكة بأم القرى، لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها، كما يتبع الفرع الأصل، أى أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل أم القرى، ولتنذر به - أيضا - من حولها من أهل القرى الأخرى. وخص أهل أم القرى ومن حولها بالذكر فى الإِنذار، لأنهم أقرب الناس - إليه صلى الله عليه وسلم - كما قال - تعالى - فى آية أخرىوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } وليس معنى هذا التخصيص أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - كانت إليهم وحدهم، لأن هناك آيات أخرى كثيرة قد صرحت بأن رسالته - صلى الله عليه وسلم - كانت إلى الناس كافة، ومن هذه الآيات وقوله - تعالى -قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وقوله - عز وجل - { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ }. فهذه الآيات وغيرها تنطق وتشهد بأن رسالته - صلى الله عليه وسلم - كانت للناس جميعا، بل للإِنس وللجن، كما يشير إلى ذلك قوله - تعالى -وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } وجملة { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } معطوفة على ما قبلها. والمراد بيوم الجمع يوم القيامة، لأنه اليوم الذى يجتمع فيه الأولون والآخرون بين يدى الله - تعالى - للحساب والجزاء، والثواب والعقاب. أى أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل مكة ومن حولها، وتنذر الناس جميعا وتخوفهم من أهوال يوم القيامة، الذى يجتمع فيه الخلائق للحساب. وقوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ } كلام معترض لتقرير ما قبله وتأكيده، أو صلة ليوم الجمع. وقوله { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } بيان للنتيجة التى ترتبت على هذا الإِنذار. أى بعد هذا الإِنذار الذى أنذرته للناس - أيها الرسول الكريم - هناك فريق آمن بك وصدقك فكان مصيره إلى الجنة، وهناك فريق أعرض عنك وكذبك، فكان مصيره إلى النار. وقوله - تعالى - { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } بيان لكمال قدرته - عز وجل -.

السابقالتالي
2 3 4