الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } * { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }

والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } جنسه أى جميع الكتب السماوية التى أنزلها على أنبيائه. والمراد بالميزان العدل والقسط الذى تضمنته شريعته - عز وجل - وأمر الناس بإقامته بينهم فى أمور معاشهم. وتسمية العدل بالميزان من باب تسمية الشئ باسم آلته، لأن الميزان آلة الإِنصاف والقسط بين الناس فى معاملاتهم. قال - تعالى -لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } وقال - سبحانه -ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } أى الله - تعالى - هو وحده الذى أنزل جميع الكتب السماوية لهداية الناس ومنفعتهم، وقد أنزلها - سبحانه - ملتبسة بالحق الذى لا يحوم حوله باطل، وأنزل كذلك شريعته العادلة ليتحاكم إليها الناس فى قضاياهم ومعاملاتهم. وقوله - تعالى - { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } إرشاد إلى أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله - تعالى - أى إن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله - تعالى - وحده، وأى شئ يجعلكم عالما بوقتها إذا كان مرد علمها إلى الله وحده، ومع ذلك لعل وقت قيامها قريب. وقال { قَرِيبٌ } ولم يقل قريبة، لأن تأنيث الساعة غير حقيقى، أو لأن لفظ فعيل يستوى فيه المذكر والمؤنث، كما فى قوله - تعالى -إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } وقوله - تعالى - { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } بيان لموقف الكافرين والمؤمنين من الساعة. أى يستعجل الكافرون قيام الساعة، استعجال استهزاء وإستخفاف لجهلهم وانطماس بصائرهم، أما الذين آمنوا بالله واليوم الآخر. فهم خائفون مشفقون من قيامها، لما فيها من أهوال وحساب وثواب وعقاب، ولأنهم لا يدرون ما الذى سيفعله الله - تعالى - بهم. فقوله - تعالى - { مُشْفِقُونَ } من الإِشفاق، وهو عناية مشوبة بخوف، لأن المشفق يحب المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه. فإذا عدى بحرف " من " فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدى بحرف " فى " فمعنى العناية فيه أظهر. وقوله - سبحانه - { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } تأكيد لإِيمان المؤمنين بها، ومدح لهم على هذا الإِيمان. أى أن المؤمنين وجلون من الساعة لما فيها من حساب.. ومع ذلك فهم لصدق يقينهم يعتقدون أنها آتية لا ريب فيها، ويستعدون لاستقبالها بالإِيمان العميق، وبالعمل الصالح الذى يرضى الله - تعالى -.

السابقالتالي
2