الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } * { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

والمعنى إن الذين قالوا بكل صدق وإخلاص ربنا الله - تعالى - وحده، لا شريك له لا فى ذاته ولا فى صفاته. { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } أى ثم ثبتوا على هذا القول، وعملوا بما يقتضيه هذا القول من طاعة الله - تعالى - فى المنشط والمكره، وفى العسر واليسر، ومن اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم فى كل أحواله. قال صاحب الكشاف و { ثم } لتراخى الاستقامة عن الإقرار فى المرتبة وفضلها عليه. لأن الاستقامة لها الشأن كله. ونحوه قوله - تعالى -إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } والمعنى ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته. ولقد بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الاستقامة على أمر الله جماع الخيرات، ففى صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفى قال " قلت يا رسول الله " قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك " قال " قل آمنت بالله ثم استقم.. " وقوله - تعالى - { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } بيان للآثار الطيبة التى تترتب على هذا القول المؤيد بالثبات على طاعة الله - تعالى - وتنزل الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون فى حياتهم عن طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم، ويطمئن نفوسهم، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وعند بعثهم. قال الآلوسى قوله - تعالى - { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } قال مجاهد عند موتهم وعن زيد بن أسلم عند الموت، وعند القبر، وعند البعث، وقيل معنى { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ } يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم، ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإِلهام كما أن الكفرة يغريهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح. والخوف غم يلحق النفس لتوقع مكروه فى المستقبل. والحزن غم يلحقها لفوات نفع فى الماضى. أى إن الذين قالوا ربنا الله باعتقاد جازم، ثم استقاموا على طاعته فى جميع الأحوال، تتنزل عليهم من ربهم الملائكة، لتقول لهم فى ساعة احتضارهم وعند مفارقتهم الدنيا، وفى كل حال من أحوالهم لا تخافوا - أيها المؤمنون الصادقون - مما أنتم قادمون عليه فى المستقبل، ولا تحزنوا على ما فارقتموه من أموال أو أولاد. { وَأَبْشِرُواْ } عما قريب، بالجنة التى كنتم توعدون بها فى الدنيا. ثم يقولون لهم - أيضا - على سبيل الزيادة فى المسرة { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ }. أى نحن نصراؤكم على الخير، وأعوانكم على الطاعة فى الحياة الدنيا التى توشكون على مفارقتها، وفى الآخرة التى هى الدار الباقية، سنتلقاكم فيها بالتكريم والترحاب. { وَلَكُمْ فِيهَا } أى فى الدار الآخرة، ما تشتهى أنفسكم، من أنواع الطيبات التى أعدها لكم خالقكم فى جناته.

السابقالتالي
2 3