الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ }

قال الجمل ما ملخصه قوله { وَقَيَّضْنَا... } أى سببنا وهيأنا وبعثنا لهم قرناء يلازمونهم ويستولون عليهم استيلاء القيض على البيض. والقيضص قشر البيض.. والتقييض - أيضا - التيسير والتهيئة، تقول قيضت لفلان الشئ، أى هيأته ويسرته له.. والقرناء جمع قرين، وهو الصديق الملازم للشخص الذى لا يكاد يفارقه، وله تأثير عليه والمراد بما بين أيديهم شهوات الدنيا وسيئاتها. والمراد بما خلفهم ما يتعلق بالآخرة من بعث وحساب وثواب وعقاب. والمعنى إن حكمتنا قد اقتضت أن نهيئ ونسبب لهؤلاء المشركين قرناء سوء، هؤلاء القرناء يزينون لهم القبيح من أعمال الدنيا التى يعيشون فيها، كما يزينون لهم إنكار ما يتعلق بما خلفهم من أمور الآخرة، كتكذيبهم بالبعث والحساب والجزاء. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } وقوله - تعالى - { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ... } بيان لما ترتب على استجابتهم لقرناء السوء، وانقيادهم لهم انقياد التابع للمتبوع. أى وثبت عليهم القول الذى قاله - سبحانه - لإبليس، وتحقق مقتضاه وهو قوله - تعالى -لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وقوله { فِيۤ أُمَمٍ } فى محل نصب على الحال من الضمير فى { عَلَيْهِمُ } أى وثبت عليهم العذاب. حالة كونهم داخلين فى جملة أمم كافرة جاحدة، قد مضت من قبلهم، وهذه الأمم منها ما هو من الجن، ومنها ما هو من الإِنس. وجملة { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لكفار قريش ولغيرهم من الأمم السابقة التى هلكت على الكفر. ثم حكى - سبحانه - ما تواصى به المشركون فيما بينهم فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }. وقوله { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } من اللغو، وهو الكلام الساقط الذى لا فائدة فيه يقال لغا فلان فى كلامه يلغو، إذا نطق بكلام ساقط لا خير فيه. ويبدو أن هذا الكلام قد قاله الزعماء من كفار مكة لأتباعهم، فقد ورد عن ابن عباس أنه قال قال أبو جهل - لأتباعه - إذا قرأ محمد فصيحوا فى وجهه، حتى لا يدري ما يقول. أى وقال زعماء الكفر لأتباعهم لا تسمعوا لهذا القرآن الذى يقرأه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا تنصتوا إليه، بل ابتعدوا عن قارئيه، والغوا فيه أى وأظهروا عند قراءته أصواتكم باللغو من القول، كالتشويش على القارئ، والتخليط عليه فى قراءته بالتصفيق وبرفع الصوت بالخرافات والهذيان.. { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } أى لعلكم بعملكم هذا تتغلبون على المسلمين، وتجعلونهم ينصرفون عن قراءة القرآن.

السابقالتالي
2