الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ }

والظرف فى قوله { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } متعلق بمحذوف تقديره اذكر. وقوله { يُوزَعُونَ } من الوزع وأصله الكف، تقول وزع فلان فلانا عن الشئ، أى كفه ومنعه عنه. ومنه قول الشاعر
ولن يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس، إلا وافر العقل كامله   
والمراد هنا أن يكف أولهم ويمنع عن التحرك حتى يرد آخرهم فيلحق بأولهم، بحيث يجتمعون جميعا للحساب ثم يدعون إلى نار جهنم. والمعنى واذكر - أيها العاقل - يوم يحشر أعداء الله جميعا إلى النار، بعد أن حوسبوا على أعمالهم السيئة { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أى فهم يحبسون فى هذا اليوم العصيب حتى يلحق آخرهم بأولهم، ويكفون جميعا عن الحركة حتى يقضى الله - تعالى - بقضائه العادل فيهم. والتعبير بقوله { أَعْدَآءُ ٱللَّهِ } يدل على ذمهم، وعلى أن ما أبهم من عذاب مهين. إنما هو بسبب عداوتهم لله - تعالى - ولرسله - صلوات الله عليهم -، حيث أعرضوا عن الحق الذى جاءهم به الرسل من عند ربهم. والتعبير بقوله { يُوزَعُونَ } يشعر بأنهم يحبسون ويمنعون عن الحركة بغلظة وزجر. ثم بين - سبحانه - أحوالهم عندما يعرضون على النار فقال { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. والمراد بشهادة هذه الأعضاء عليهم أنها تنطق - بإذن الله - تعالى - وتخبر بما اجترحوه من سيئات، وبما فعلوه من قبائح. قال صاحب الكشاف ما ملخصه " فإن قلت " ما " فى قوله { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } ما هى؟ قلت مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها... فإن قلت كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟ قلت الله - عز وجل - ينطقها... بأن يخلق فيها كلاما.. وشهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات. وقيل المراد بالجلود الجوارح - وقيل هو كناية عن الفروج.. ثم حكى - سبحانه - ما يقوله هؤلاء الكافرون لجوارحهم على سبيل التوبيخ والتعجيب فقال { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا.. } أى وقال هؤلاء الكافرون لجلودهم التى تشمل جميع جوارحهم بتعجب وذهول لماذا شهدتم علينا مع أننا ما دافعنا إلا عنكم، لكى ننقذكم من النار؟ وهنا ترد عليهم جوارهم بقولها - كما حكى سبحانه عنها - { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ... } أى قالوا فى الرد عليهم أنطقنا الله - تعالى - الذى أنطق كل شئ بقدرته التى لا يعجزها شئ { وهو } - سبحانه - الذى { خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ولم تكونوا شيئا مذكورا. { وَإِلَيْهِ } وحده { تُرْجَعُونَ } فيحاسبكم على أعمالكم، ويحكم فيكم بحكمه العادل.

السابقالتالي
2 3