الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قال الإِمام الرازى ما ملخصه اعلم أنه - تعالى - لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناسقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ... } أردفه بما يدل على أنه لا يجوز إثبات الشركة بينه - تعالى - وبين هذه الأصنام فى الإِلهية والمعبودية، وذلك بأن بين كمال قدرته وحكمته فى خلق السموت والأرض فى مدة قليلة.. والاستفهام فى قوله { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ... } بمعنى الإِنكار، وهو لإِنكار شيئين الكفر بالله.. وجعل الأنداد له. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين على سبيل الإِنكار لأفعالهم أئنكم لتكفرون بالله - تعالى - الذى خلق الأرض فى يومين. قال الآلوسى وإن واللام فى قوله { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ } لتأكيد الإِنكار.. وعلق - سبحانه - كفرهم بالاسم الموصول لتفخيم شأنه - تعالى - واستعظام كفرهم به. واليوم فى المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق، وأريد منه ها هنا الوقت مطلقا، لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها، ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف، ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر، والأقل أنسب بالمقام. قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - إن الله - تعالى - قادر على أن يخلق هذا الكون كله فى لحظة، ولكنه خلق السموات والأرض فى ستة أيام، ليعلم خلقه التثبت والتأنى فى الأمور. وقوله { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } معطوف على قوله { تكفرون } وداخل معه فى حكم الإِنكار. والأنداد جمع ند وهو مثل الشئ يضاده وينافره ويتباعد عنه. وأصله من ند البعير إذا نفر وذهب على وجهه شاردا. أى وتجعلون له أمثالا ونظراء تعبدونها من دونه، وتسمونها - زورا وكذبا - آلهة، وجمع - سبحانه - الأنداد باعتبار واقعهم، لأنهم كانوا يعبدون آلهة شتى، فمنهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد الملائكة، ومنهم من عبد الكواكب. واسم الإِشارة فى قوله { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } يعود إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة. أى ذلك الموصوف بتلك القدرة الباهرة، رب العالمين جميعا، وخالق جميع المخلوقات، والمتولى لتربيتها دون سواه. وقوله { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا.. } معطوف على { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }. والرواسى جميع راس من الرسو - بفتح الراء وسكون السين - بمعنى الثبات والاستقرار فى المكان، يقال رسا الشئ إذا ثبت واستقر. وهو صفة لموصوف محذوف. أى وجعل فيها جبالا رواسى من فوقها، لكى تستقر وتثبت، ولا تميد أو تضطرب بكم. وقال - تعالى - { مِن فَوْقِهَا } لبيان الواقع، إذ وجود الجبال من فوق الأرض، ومشاهدة الإِنسان لذلك بعينيه، يزيده اقتناعا بقدرة الله - تعالى - الباهرة وحكمته البليغة.

السابقالتالي
2 3 4