الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

وقوله - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ.. } بيان لنعمة أخرى من نعمه التى تتعلق بما سخره - سبحانه - لخدمة الإِنسان من دواب، بعد بيانه قبل لكثير من النعم التى تتعلق بالليل والنهار، والسماء والأرض.. إلخ. والأنعام جمع نعم، وأطلق على الإِبل والبقر والغنم، قالوا والمراد بها هنا الإِبل خاصة لأن معظم المنافع التى ذكرت هنا توجد فيها. أى الله - تعالى - هو الذى خلق لكم بقدرته الإِبل { لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أى لتركبوا بعضا منها، ولتأكلوا بعضا آخر منها. فمن فى الموضعين للتبعيض. { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أخرى غير الأكل وغير الركوب، كالانتفاع بألبانها وأوبارها وجلودها.. { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } أى ومن منافعها - أيضا - أنكم تستعملونها فى الأمور الهامة كحمل الأثقال، والانتقال عليها من مكان إلى مكان.. كما قال - تعالى -وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أى وعلى هذه الإِبل فى البر وعلى السفن فى البحر تحملون. كما قال - تعالى -وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } هذا، ولا مانع من أن يكون المراد بالأنعام هنا ما يشمل الإبل والبقر والغنم، وإلى هذا المعنى ذهب الإِمام ابن كثير، فقد قال يقول - تعالى - ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام! وهى الإِبل والبقر والغنم، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب، ويحمل عليها الأثقال فى الأسفار والرحال إلى البلاد النائبة، والأقطار الشاسعة، والبقر تؤكل ويشرب لبنها، وتحرث عليها الأرض، والغنم تؤكل ويشرب لبنها، والجميع تجز أوبارها وأصوافها وأشعارها. فيتخذ منه الأثاث والثياب والأمتعة... " وقوله - تعالى - { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } تعجب من غفلتهم عن هذه الآيات المبثوثة فى الكون، والتى تدل جميعها على وحدانية الله - تعالى - وقدرته. ولفظ " أى " منصوب بقوله { تُنكِرُونَ } وقدم وجوبا لأن له صدر الكلام. أى أنه - سبحانه - فى كل وقت وحين يريكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته، فقولوا لى. أية تلك الآيات تنكرون دلالتها على ذلك. إنها جميعا تنطق وتصرح بوجوب إخلاص العبادة لله - عز وجل - فكيف جحدتموها أو غفلتم عنها مع وضوحها؟ فالآية الكريمة توبيخ شديد لأولئك الذين استحبوا العمى على الهدى مع أن كل شئ فى هذا الكون يدعوهم إلى الإِيمان بالله الواحد القهار. ثم وبخهم - سبحانه - مرة أخرى لعدم اتعاظهم بمصارع الغابرين فقال { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ... } أى أقبعوا فى بيوتهم.

السابقالتالي
2 3