الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ... } للتعجيب من أحوال هؤلاء المشركين. حيث أنكروا الحق الواضح وانساقوا وراء الأوهام والأباطيل. والمعنى انظر - أيها الرسول الكريم - إلى أحوال المشركين، وتعجب من سلوكهم الذميم، حيث جادلوا فى الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته بدون علم أو حجة. وقوله { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } أى انظر كيف يصرفون عن آيات الله الموجبة للإِيمان بها. إلى الجحود والتكذيب والجدال بالباطل فيها؟ لقد كان من المنتظر منهم أن يهتدوا إلى الحق بعد أن وصل إليهم.. ولكنهم عموا وصموا عنه. لانطماس بصائرهم، واستحواذ الشيطان عليهم. وقوله { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ.. } بدل من قولهٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } أى تعجب من هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن الكريم. الذى أنزلناه إليك - يا محمد - لتخرجهم به من الظلمات إلى النور. وكذبوا - أيضا - { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من سائر الكتب والمعجزات. فهم لم يكتفوا بالتكذيب بك بل أضافوا إلى ذلك تكذيبهم بكل كتاب ورسول. وقوله - تعالى - { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وعيد شديد لهم على تكذيبهم بالرسل وبكتبهم، أى فسوف يعلمون سوء عاقبة تكذيبهم لأنبياء الله - تعالى - ولكتبه التى أنزلها عليهم. ثم فصل - سبحانه - هذا الوعيد، وبين ما أعده لهم من عذاب فقال { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ. فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } و " إذ " هنا ظرف بمعنى " إذا " وهو متعلق بيعلمون، وعبر - سبحانه - بالظرف الدال على المضى، للدلالة على تحقق الخبر، حتى لكأن العذاب قد نزل بهم فعلا. والأغلال جمع غل - بضم الغين - وهو القيد يوضع فى اليد والعنق فيجمعهما. والسلاسل جمع سلسلة، وهى ما يربط بها الجانى على سبيل الإِذلال له. والحميم الماء البالغ أقصى درجات الحرارة. ويسجرون مأخوذ من سجر التنور، إذا ملأه بالوقود. والمعنى فسوف يعلمون سوء عاقبة تكذيبهم وجدالهم بالباطل يوم القيامة، وقت أن توضع الأغلال والقيود فى أعناقهم، ثم يسحبون ويجرون إلى الحميم بعنف وإهانة، ثم يلقى بهم فى النار التى تمتلئ بهم، ويكونون وقودا لها. قال صاحب الكشاف فإن قلت وهل قوله { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. إِذِ ٱلأَغْلاَلُ.. } إلا مثل قولك سوف أصوم أمس؟ قلت المعنى على إذا، إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت فى أخبارك الله - تعالى - متيقنة مقطوعا بها، عبر عنها بلفظ ما كان ووجد. والمعنى على الاستقبال.. وقوله - تعالى - { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } تبكيت وتأنيب لهم. أى ثم قيل بعد هذا العذاب المهين لهم أين تلك الآلهة التى كنتم تعبدونها من دون الله، لكى تدفع عنكم شيئا من العذاب الأليم الذى نزل بكم؟ وقوله { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً.

السابقالتالي
2 3