الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ }

فقوله - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } بيان لنعمتى الليل والنهار اللتين أنعم بهما - سبحانه - على الناس. أى الله - تعالى - هو وحده الذى جعل لكم - أيها الناس - الليل لتسكنوا فيه، وتستريحوا من عناء العمل بالنهار وهيأه لهذه الاستراحة بأن جعله مظلما ساكنا.. وجعل لكم بقدرته وفضله النهار مبصرا، أى جعله مضيئا مسفرا، بحيث تبصرون فيه ما تريدون إبصاره، من الأشياء المتنوعة. قال صاحب الكشاف قوله { مُبْصِـراً } هو من الإِسناد المجازى لأن الإِبصار فى الحقيقة لأهل النهار. فإن قلت لم قرن الليل بالمفعول له، والنهار بالحال؟ وهلا كانا حالين أو مفعولا لهما. فيراعى حق المقابلة؟ قلت هما متقابلان من حيث المعنى، لأن كل واحد منهما يؤدى مؤدى الآخر، ولأنه لو قال لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التى فى الإِسناد المجازى، ولو قيل ساكنا - والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم ليل ساج وساكن لا ريح فيه - لم تتميز الحقيقة من المجاز. وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } بيان لموقف أكثر الناس من نعم الله - تعالى - عليهم. أى إن الله - تعالى - لصاحب فضل عظيم على الناس جميعا، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على آلائه ونعمه، لغفلتهم وجهلهم واستيلاء الأهواء والشهوات عليهم. وقال - سبحانه - { لَذُو فَضْلٍ } بالتنكير للإِشعار بأنه فضل لا تحيط به عبارة أو وصف. واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْء.. } يعود إلى من سبقت صفاته ونعمه وهو الله - عز وجل -. و { ذَلِكُـمُ } مبتدأ، وما بعده أخبار متعددة. أى ذلكم الذى أعطاكم من النعم ما أعطاكم هو الله - تعالى - ربكم خالق كل شئ فى هذا الوجود. لا إله إلا هو فى هذا الكون.. وقوله - تعالى - { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } تعجيب من انصرافهم - بعد هذه النعم - عن الحق إلى الباطل، وعن الشكران إلى الكفران. أى فكيف تنقلبون عن عبادته - سبحانه - إلى عبادة غيره، مع أنه - عز وجل - هو الخالق لكل شئ، وهو صاحب تلك النعم التى تتمتعون بها. وقوله - تعالى - { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } بيان لحال الذين وقفوا من نعم الله - تعالى - موقف الجحود والكفران. ويؤفك هنا بمعنى القلب والصرف عن الشئ، من الأفك - بالفتح - مصدر أفكه عن الشئ بمعنى صرفه عنه - وبابه ضرب - ومنه قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3