الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ }

والمقت أشد أنواع البغض والغضب. يقال مقته مقتا، إذا غضب عليه غضبا شديدا، ومنه قوله - تعالى -وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } والمنادى لهؤلاء الكافرين هم الملائكة خزنة النار، أو المؤمنون. وهذا النداء إنما يكون يوم القيامة، يوم توفى كل نفس ما كسبت. أى إن الذين كفروا بعد أن أحاطت بهم النار، وبعد أن عادوا على أنفسهم بأشد ألوان الندامة والحسرة والمقت. لإيثارها الكفر على الإِيمان. بعد كل ذلك { يُنَادَوْنَ } بأن يقال لهم إن مقت الله - تعالى - لكم بسبب إصراركم على الكفر حتى هلكتم.. أشد وأعظم من مقتكم لأنفسكم مهما بلغ مقتكم لها وكراهيتكم لها. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { يُنَادَوْنَ } المنادى لهم الخزنة أو المؤمنون يقولون إعظاما لحسرتهم { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول، كأنه قيل ينادون مقولا لهم لمقت.. ومقت مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثانى إلى ضمير الخطاب.. وقوله - سبحانه - { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } تعليل لمقت الله أى لغضب الله - تعالى - عليكم، أشد من غضبكم على أنفسكم الأمارة بالسوء وذلك لأنكم جاءتكم دعوة الحق على ألسنة رسلكم، فأعرضتم عنها وصممتم على الكفر والفسوق والعصيان، حتى أدرككم الموت، وها أنتم اليوم تجزون ما كنتم تعملونه فى الدنيا. ثم يحكى - سبحانه - ما يقوله الكافرون بعد أن أنزل بهم - سبحانه - عقابه العادل فيقول { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ... }. وأرادوا بالموتة الأولى خلقهم من مادة لا روح فيها وهم فى بطون أمهاتهم.. وأرادوا بالثانية قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم. وأرادوا بالحياة الأولى نفخ أرواحهم فى أجسادهم وهى فى الأرحام، وأرادوا بالثانية إعادتهم إلى الحياة يوم البعث، للحساب والجزاء. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ... } { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } أى أنت يا ربنا الذى - بقدرتك وحدها - أمتنا إماتتين اثنتين، وأحييتنا إحياءتين اثنتين، وها نحن قد اعترفنا بذنوبنا التى وقعت منا فى الدنيا، وندمنا على ما كان منا أشد الندم.. { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أى فهل بعد هذا الاعتراف، فى الإِمكان أن تخرجنا من النار، وأن تعيدنا إلى الحياة الدنيا، لنؤمن بك حق الإِيمان. ونعمل غير الذى كنا نعمل. فأنت ترى أن الآية تصور ذلهم وحسرتهم أكمل تصوير، وأنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم، ولكن هذا التمنى والتلهف جاء بعد فوات الأوان. قال ابن كثير ما ملخصه هذه الآية كقوله - تعالى -

السابقالتالي
2