الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

روى المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ } روايات منها ما أخرجه البخارى عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسوله صلى الله عليه وسلم يأتى السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله. أو يضرب فيقتل. فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ }... الآية. ومنها ما أخرجه الطبرانى عن ابن عباس قال كان قوم بمكة قد أسلموا. فلما هاجر رسول الله كرهوا أن يهاجروا - خوفا على أموالهم ونفورا من مفارقة أوطانهم - فأنزل الله الآية. ومنها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة أسلموا. وكانوا يخفون الإِسلام. فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر. فأصيب بعضهم. فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستفغروا لهم فنزلت الآية. قال ابن كثير - بعد ذكره لهذه الروايات -. هذه الآية الكريمة عامة فى كل من أقام بين ظهرانى المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراما بالإِجماع وبنص هذه الآية. وقوله { تَوَفَّاهُمُ } يحتمل أن يكون فعلا ماضيا، وتركت علامة التأنيث للفصل، ولأن الفاعل ليس مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً. ويحتمل أن يكون فعلا مضارعا وأصله " تتوفاهم " فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً. وهو من توفى الشئ إذا أخذه وافيا تام. والمراد من التوفى قبض أرواحهم وإماتتهم. وقيل المراد به حشرهم إلى جهنم. والمراد من الملائكة ملك الموت وأعوانه الذين يتولون قبض الأرواح بإذن الله وأمره. وظلم النفس معناه أن يفعل الإِنسان فعلا يؤدى إلى مضرته وسوء عاقبته سواء أكان هذا الفعل كفراً أم معصية. وإنما كان ظالما لنفسه لأنه قال قولا أو فعل فعلا ليس من شأن العقلاء أن يقولوه أو يفعلوه لو خامة عقباه. والمعنى إن الذين تقبض الملائكة أوراحهم وتميتهم حال كونهم قد ظلموا أنفسهم بسبب رضاهم بالذل والهوان، وإقامتهم فى أرض لم يستطيعوا أن يباشروا تعاليم دينهم فيها، وعدم هجرتهم إلى الأرض التى يقيم فيها إخوانهم فى العقيدة مع قدرتهم على الهجرة... إن الذين تتوفاهم الملائكة وهم بهذه الحال، تسألهم الملائكة سؤال تقريع وتوبيخ عند قبض أرواحهم أو يوم القيامة فتقول لهم " فيم كنتم " أى فى أى حال كنتم؟ أكنتم فى عزة أم فى ذلة؟ وكيف رضيتم البقاء مع الكافرين الذين أذلوكم وسخروا من دينكم؟ أو المعنى فى أى شئ كنتم من أمور دينكم؟ { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أى قال الذين ظلموا أنفسهم للملائكة كنا فى الدنيا يستضعفنا أهل الشرك فى أرضنا وبلادنا، وصيرونا أذلاء لا نملك من أمرنا شيئاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7