الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات متعددة إلا أنها متقاربة فى المعنى. وقد حكى معظمها الإِمام القرطبى فقال ما ملخصه هذه الآية نزلت فى قوم من المسلمين مروا فى سفرهم برجل معه جمل وغنيمة يبيعها فسلم على القوم وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله - ظنا منه أن المقتول نطق بالشهادتين ليأمن القتل - فلما ذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم شق عليه ونزلت الآية فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليه غنيماته. وقد قيل إن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط. وقيل إن القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن نهيك من بنى مرة من أهل فدك. وفى سنن ابن ماجه " عن عمران بن حصين قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا من المسلمين إلى المشركين فقاتلوهم قتالا شديدا فمنح المشركون المسلمين أكتافهم. فحمل رجل من المسلمين على رجل من المشركين بالرمح. فلما غشيه قال أشهد أن لا إله إلا الله إنى مسلم. فطعنه فقتله. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت. قال " وما الذى صنعت " مرة أو مرتين. فأخبره بالذى صنع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما فى قلبه "؟ فقال " يا رسول الله لو شققت بطنه أكنت أعلم ما فى قلبه؟ قال لا فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما فى قلبه ". ثم قال القرطبى ولعل هذه الأحوال جرت فى زمان متقارب فنزلت الآية فى الجميع. والضرب فى الأرض السير فيها. تقول العرب ضربت فى الأرض إذا سرت لتجارة أو غزة أو غيره. وكأن السير فى الأرض سمى بذلك لأنه يضرب الأرض برجليه فى سيره. والمراد بالضرب فى الأرض هنا السفر والسير فيها من أجل الجهاد فى سبيل الله. وقوله { فَتَبَيَّنُواْ } معناه فتثبتوا وتأكدوا وتأملوا فيما تأتون وتذرون. وقرأ حمزة " فثبتوا ". قال القرطبى والسلم والسلم والسلام بمعنى واحد. قال البخارى. وقرئ بها كلها. واختار أبو عبيد " السلام ". وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والاستسلام. كما قال - تعالى -فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } والمعنى يأيها الذين آمنوا وصدقوا بالحق، إذا خرجتم من بيوتكم وسرتم فى الأرض من أجل الجهاد فى سبيل الله وإعلاء كلمته { فَتَبَيَّنُواْ } أى فاطلبوا بيان الأمر فى كل ما تأتون وما تذرون، واحذروا أن تضعوا سيوفكم فى غير موضعها.

السابقالتالي
2 3 4