الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

روى المفسرون روايات فى سبب نزول قوله - تعالى - { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً }.. الآية ومن أشهر هذه الروايات ما جاء عن مجاهد وغيره أنها نزلت فى عياش بن أبى ربيعة، وذلك أنه قتل رجلا كان يعذبه لكى يترك الإِسلام، فأضمر عياش قتل ذلك الرجل. ثم أسلم هذا الرجل دون أن يعلم عياش بإسلامه. فلما لقيه فى يوم من الأيام ظن عياش أن الرجل ما زال مشركا فقتله. فلما علم بإسلامه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، قتلته ولم أشعر بإسلامه فأنزل الله الآية. والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت فى حادثة معينة إلا أن حكمها يتناول كل من قتل غيره خطأ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والنفى فى قوله - تعالى - { وَمَا كَانَ } ليس لنفى الوقوع، لأنه لو كان كذلك ما وقع قتل على سبيل الخطأ أبداً، وإنما النفى بمعنى النهى وعدم الجواز. وقد أشار القرطبى إلى ذلك بقوله قوله - تعالى - { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } هذه آية من أمهات الأحكام. والمعنى ما ينبغى لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، فقوله { وَمَا كَانَ } ليس على النفى وإنما هو على التحريم والنهى كقولهوَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } ولو كانت على النفى لما وجد مؤمن قتل مؤمنا قط، لأن ما نفاه الله فلا يجوز وجوده فهو كقوله - تعالى -مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } فلا يقدر العياد أن ينبتوا شجرها أبدا. ثم استثنى استثناء منقطعاً ليس من الأول وهو الذى يكون فيه " إلا " لمعنى لكن. والتقدير ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا. والخطأ اسم من أخطأ خطأ وإخطاء إذا لم يصنع عن تعمد، فالخطأ الاسم يقوم مقام الإِخطاء. ويقال لمن أراد شيئاً ففعل غيره أخطأ. ولمن فعل غير الصواب أخطأ ". وقال صاحب الكشاف فإن قلت. بم انتصب خطأ؟ قلت بأنه مفعول له. أى ما ينبغى له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده. ويجوز أن يكون حالا بمعنى لا يقتله فى حال من الأحوال إلا فى حال الخطأ. وأن يكون صفة للمصدر أى إلا قتلا خطأ. والمعنى، أن من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البته، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد، بأن يرمى كافرا فيصيب مسلما. أو يرمى شخصاً على أنه كافر فإذا هو مسلم. ثم بين - سبحانه - حكم القتل الخطأ فقال { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7