الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية الكريمة أقوال أولها أن الآية الكريمة أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه فى أمر اليتامى، فيفعلوا بهم مثل ما يحبون أن يفعل بذريتهم الضعاف بعد وفاتهم. فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال فى قوله تعالى { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ }... الخ. يعنى بذلك الرجل يموت وله أولاد صغار ضعاف يخاف عليهم العيلة والضيعة، ويخاف بعده ألا يحسن إليهم من يليهم يقول فإن ولى مثل ذريته ضعافا يتامى، فليحسن إليهم ولا يأكل أموالهم إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا.. قال الآلوسي والآية الكريمة على هذا الوجه تكون مرتبطة بما قبلها، لأن قوله تعالىلِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الخ. فى معنى الأمر للورثة. أى أعطوهم حقهم دفعا لأمر الجاهلية، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم. وعلى هذا الوجه يكون المقصود من الآية الكريمة حض الأوصياء على المحافظة على أموال اليتامى بأبلغ تعبير، لأنه سبحانه قد نبههم بحال أنفسهم وذرياتهم من بعدهم ليتصوروها ويعرفوا مكان العبرة فيها، ولا شك أن ذلك من أقوى الدواعى والبواعث فى هذا المقصود لأنه سبحانه كأنه يقول لهم افعلوا باليتامى الفعل الذى تحبون أن يفعل مع ذرياتكم الضعاف من بعدكم، فجعل - سبحانه - من شعورهم بالحنان على ذرياتهم باعثا لهم على الحنان على أيتامهم. هذا، ومن المفسرين الذين استحسنوا هذا القول الإِمام ابن كثير، فقد قال بعد أن حكى هذا القول وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد فى أكل أموال اليتامى ظلما. أما القول الثاني فيرى أصحابه أن الآية الكريمة أمر لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم فيوصوا المريض فى أولاده خيراً ويشفقوا عليهم كما يشفقون على أولادهم. وقد وضح هذا القول الإِمام الرازي فقال إن هذا خطاب مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون له إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا، فأوص بمالك لفلان وفلان. ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن لا يبقى من ماله للورثة شئ أصلا. فقيل لهم كما أنكم تكرهون بقاء أولادكم فى الضعف والجوع من غير مال، فاخشوا الله ولا تحملوا المريض على أن يحرم أولاده الضعفاء من ماله. وحاصل الكلام أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك، فلا ترضه لأخيك المسلم. فعن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ". وقد رجح هذا الوجه الإِمام ابن جرير فقال وأولى التأويلات بالآية قول من قال تأويل ذلك وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرقوا أموالهم فى حياتهم، أوقسموها وصية منهم لأولى قرابتهم، وأهل اليتم والمسكنة فأبقوا أموالهم لولدهم خشية العيلة عليهم من بعدهم، فليأمروا من حضروه - وهو يوصى لذوى قرابته وفى اليتامى والمساكين وفى غير ذلك - بما له بالعدل، وليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، وهو ان يعرفوه ما أباحه الله له من الوصية، وما اختاره المؤمنون من أهل الإِيمان بالله وبكتابه وسنته ".

السابقالتالي
2 3