الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

أورد المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } روايات أهمها روايتان أولهما أن هذه الآية نزلت فى شأن المنافقين الذين تخلفوا عن الاشتراك مع المؤمنين فى غزوة أحد. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ومعه المسلمون. وفى الطريق رجع عبد الله بن ابى بن سلول بثلث الناس وقالوالَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } فاختلف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن هؤلاء المنافقين. فقال بعضهم نقتلهم فقد كفروا. وقال آخرون لم يكفروا. فأنزل الله - تعالى - الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها طيبة وإنها تنفى الخبث كما ينفى الكير خبث الحديد ". أما الرواية الثانية فيؤخذ منها أنها نزلت فى قوم كانوا يظهرون الإِسلام بمكة إلا أنهم كانوا يظاهرون المشركين. فقد أخرج ابن جريرعن ابن عباس أن قوما كانوا بمكة قد تكلوا بالإِسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم. فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس. وإن المؤمنين لما اخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى هؤلاء الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله - أو كما قالوا - أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول صلى الله عليه وسلم عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شئ، فنزلت { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }. وهناك روايات أخرى قريبة من هذه الرواية فى معناها قد ذكرها المفسرون. ويبدو لنا أن الرواية الثانية هى الأقرب إلى سياق الآيات وإلى الواقع التاريخى، لأنه من الثابت تاريخيا أن منافقى المدينة لم يرد أمر بقتالهم، وإنما استعمل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم وسائل أخرى أدت إلى نبذهم وهوان أمرهم، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } يؤيد أنه ليس المقصود بالمنافقين هنا منافقى المدينة، وإنما المقصود بهم جماعة أخرى من المنافقين كانوا خارج المدينة، إذ لا هجرة من المدينة إلى غيرها وإنما الهجرة تكون من غيرها إليها، لأنها دار الإِسلام، ولم يكن فتح مكة قد تم عند نزول هذه الآية. وقد رجح الإِمام ابن جرير سبب النزول الذى حكته الرواية الثانية فقال ما ملخصه وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال نزلت هذه الآية فى اختلاف أصحاب رسول الله فى قوم كانوا قد ارتدوا عن الإِسلام بعد إسلامهم من أهل مكة. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } أوضح دليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة، لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7