الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

والمراد بالقسمة التركة التى تقسم بين الورثة. والمراد بذوى القربى هنا - عند جمهور المفسرين - الأقارب الذين لا ميراث لهم فى التركة. والمراد باليتامى والمساكين، الأجنب الذين لا قرابة بينهم وبين الورثة. والمعنى وإذا حضر قسمة التركة ذوو القربى ممن لا نصيب لهم فى الميراث، واليتامى الذين فقدوا العائل والنصير، والمساكين الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم وصاروا فى حاجة إلى العون والمساعدة { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أى فأعطوهم من الميراث الذى تقتسمونه شيئا يعينهم على سد حاجتهم، وتفريج ضائقتهم { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أى قولوا لهم قولا جميلا يرضاه الشرع، ويستحسنه العقل، بأن تقولوا لهم - مثلا - خذوا هذا الشئ بارك الله لكم فيه، أو بأن تعتذروا لمن لم تعطوه شيئا. والآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة عليها وهى قوله - تعالى -لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الخ. وليس المراد من حضور ذوى القربى واليتامى والمساكين أن يكونوا مشاهدين للقسمة، جالسين مع الورثة، لأن قسمة الأموال لا تكون عادة فى حضرة هؤلاء الضعفاء، وإنما المراد من حضورهم العلم بهم من جانب الذين يقتسمون التركة، والدراية بأحوالهم، وأنهم فى حاجة إلى العون والمساعدة. وقدم ذوى القربى على اليتامى والمساكين، لأنهم أولى بالصدقة لقرابتهم، ولأن إعطاءهم بجانب أنه صدقة، فهو صلة للرحم التى أمر الله تعالى بصلتها. وقدم اليتامى على المساكين لأن ضعف اليتامى أكثر، وحاجتهم أشد. والضمير المجرور فى قوله { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } يعود إلى ما ترك الوالدان والأقربون. أو إلى القسمة بمعنى المقسوم باعتبار معناها لا باعتبار لفظها. أى ارزقوهم من هذا الميراث أو المال المقسوم. والأمر فى قوله { فَٱرْزُقُوهُمْ } يرى بعض العلماء أنه للوجوب، لأنه هو المستفاد من ظاهر الأمر، وعليه فمن الواجب على الوارث الكبير وعلى ولى الصغير أن يعطيا لذوى القربى واليتامى والمساكين شيئا من المال تطيب به نفوسهم. ومن أصحاب هذا الرأى من قال إن من الواجب على الوارث الكبير أن يعطى هؤلاء المحتاجين شيئا من المال المقسوم. أما إذا كان الورثة صغارا فعلى الولى أن يعتذر لهؤلاء المحتاجين، بأن يقول لهم إنى لا أملك هذا المال المقسوم، لأنه لهؤلاء الصغار وعندما يكبرون فسيعرفون لكم حقكم وهذا هو القول المعروف. ويرى كثير من العلماء أن هذا الأمر بالإِعطاء للندب لا للوجوب، وأن هذا الندب إنما يحصل إذا كان الورثة كبارا، أما إذا كانوا صغارا فليس على أوليائهم إلا القول المعروف. ومن حجج هؤلاء القائلين بأن هذا الأمر للندب والاستحباب أنه لو كان لأولئك المحتاجين من ذوى القربى واليتامى والمساكين حق معين لبينه الله - تعالى - كما بين سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب.

السابقالتالي
2