الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } * { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }

والإِستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ } للتعجيب من حال أولئك الذين كانوا يظهرون التشوق إلى القتال فلما فرض عليهم جبنوا عنه. وقوله { كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } من الكف بمعنى الامتناع أى امتنعوا عن مباشرة القتال إلى أن تؤمروا به. والمعنى ألم ينته علمك يا محمد أو ألم تنظر بعين الدهشة والغرابة إلى حال أولئك الذين كانوا يظهرون شدة الحماسة للقتال، فقيل لهم { كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } أى عن القتال لأنكم لم تؤمروا به بعد { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } فإن الصلاة تخلص النفس من أدران المآثم، وتجعلها تتجه إلى الله وحده { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } فإن الزكاة تطهر النفوس من الشح والبخل، وتربط بين الناس برباط المحبة والتعاون. ثم بين - سبحانه - حالهم بعد أن فرض عليهم القتال فقال { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }. أى فحين فرض عليهم القتال وأمروا بمباشرته بعد أن صارت للمسلمين دولة بالمدينة، حين حدث ذلك، إذا فريق منهم - وهم الذين قل إيمانهم، وضعف يقينهم، وارتابت قلوبهم - { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } أى يخافونهم خوفا شديدا { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أى يخافون من الكفار أن يقتلوهم كما يخافون من الله أن ينزل بهم بأسه، أو أشد من ذلك. فالمراد بالناس فى قوله { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } أولئك الأعداء الذين كتب الله على المؤمنين قتالهم. وعبر عن هؤلاء الأعداء بقوله { ٱلنَّاسَ } زيادة فى توبيخ أولئك الذين خافوا منهم هذا الخوف الشديد، لأنهم لو كانوا مؤمنين حقا، لاستقبلوا ما فرضه الله عليهم بالسمع والطاعة، ولما خافوا هذا الخوف الشديد من أناس مثلهم. وقوله { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } مفعول مطلق، أي يخشونهم خشية كخشية الله. وهو بيان لشدة خورهم وهلعهم، ولفساد تفكيرهم، حيث جعلوا خشيتهم للناس فى مقابل خشيتهم لله، الذى يجب أن تكون خشيته - سبحانه - فوق كل خشية. وقوله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } معطوف على ما قبله. وأشد حال من خشية لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا. وفى هذه الجملة الكريمة زيادة فى توبيخهم وذمهم وترق فى توضيح حالتهم القبيحة، لأنه إذا كان من المقرر أنه لا يجوز للعاقل ان يجعل خشيته للناس كخشيته لله، فمن باب أولى لا يجوز له أن يجعل خشيته للناس أشد من خشيته لله - تعالى -. قال الفخر الرازى ما ملخصه فإن قيل ظاهر { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } يوهم الشك. وذلك على علام الغيوب محال. أجيب بأن { أَوْ } بمعنى بل. أو هى للتنويع. على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها أو هى للإِبهام على السامع. على معنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9