الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

قال القرطبى قوله - تعالى - { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج فى سبيل الله، وحماية الشرع. ووجه النظم والاتصال بما قبله أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته. وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم حتى يتحسسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } فعلمهم مباشرة الحروب. ولا ينافى هذا التوكل بل هو عين التوكل.. والحِذْر والحذَر واحد كالإِثر والأثر. يقال أخذ فلان حذره، إذا تيقظ واحترز مما يخشاه ويخافه. فكأنه جعل الحذر آلته التى يقى بها نفسه ويعصم بها روحه. فالكلام على سبيل الكناية والتخيل. بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية. والمعنى استعدوا - أيها المؤمنون - لأعدائكم، وكونوا على يقظة منهم، وكونوا متأهبين للقائهم دائماً بالإِيمان القوى، وبالسلاح الذى يفل سلاحهم. هذا، وللأستاذ الإِمام محمد عبده كلام حسن فى هذا المعنى، فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه " الحذر الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، وذلك بأن نعرف حال العدو ومبلغ استعداده وقوته ومعرفة أرضه وبلاده وفى أمثال العرب قتلت أرض جاهلها. ويدخل فى الحذر والاستعداد معرفة الأسلحة وكيفية استعمالها فكل ذلك وغيره يدخل تحت الأمر بأخذ الحذر. وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه عارفين بأرض عدوهم، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم جواسيس يأتونه بأخبار مكة، ولما أخبروه بنقض قريش للعهد استعد لفتحها، وقال أبو بكر لخالد يوم حرب اليمامة حاربهم بمثل ما يحاربونك به السيف بالسيف، والرمح بالرمح. وهذه كلمة جليلة فالقول وعمل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كل ذلك دال على أن الاستعداد يختلف باختلاف حال العدو وقوته ". فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } دعوة للمؤمنين فى كل زمان ومكان إلى حسن الاستعداد لمجابهة أعدائهم بشتى الأساليب وبمختلف الوسائل التى تجعل الأمة الإِسلامية يرهبها أعداؤها سواء أكانوا فى داخلها أم فى خارجها. وقوله { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } تفريع على أخذ الحذر لأنهم إذا أخذوا حذرهم، عرفوا كيف يتخيرون أسلوب القتال المناسب لحال أعدائهم وقوله { فَٱنفِرُواْ } من النفر وهو الخروج إلى عمل من الأعمال بسرعة. ومنه قوله - تعالى -وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } والمراد بقوله { فَٱنفِرُواْ } هنا أى اخرجوا إلى قتال أعدائكم بهمة ونشاط. ويقال نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا إذا نهضوا لقتال عدوهم.

السابقالتالي
2 3 4