الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }

قال القرطبى ما ملخصه نزلت هذه الآية فى أوس بن ثابت الأنصارى. توفى وترك امرأة يقال لها أم كُجّة وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما أبنا عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا أمرأته وبناته شيئا. وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ويقولون لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعاهما فقالا يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا. فقال صلى الله عليه وسلم " انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لى فيهن، فأنزل الله هذه الآية. ثم قال قال علماؤنا فى هذه الآية فوائد ثلاث إحداها بيان علة الميراث وهى القرابة. الثانية عموم القرابة كيفما تصرفت من قريب أو بعيد. الثالثة إجمال النصيب المفروض. وذلك مبين فى آية المواريث فكأن هذه الآية توطئة للحكم، وإبطال لذلك الرأى الفاسد حتى وقع البيان الشافى ". هذا، ومن العلماء من أبقى هذه الآية الكريمة على ظاهرها، فجعل المراد من الرجال الذكور البالغين. والمراد من الوالدين الأب والأم بلا واسطة المراد من الأقربين الأقارب الأموات الذين يرثهم أقاربهم المستحقون لذلك والمراد من النساء الإِناث البالغات. والمعنى على هذا الرأى للذكور البالغين نصيب أى حظ مما ترك آباؤهم وأمهاتهم وأقاربهم كإخوتهم وأخواتهم وأعمالهم وعماتهم وللاناث البالغات كذلك نصيب مما ترك آباؤهن وأمهاتهن وأقاربهن... ألخ. وبهذا تكون الآية الكريمة قد اقتصرت على بيان أن الإِرث غير مختص بالرجال كما كان الجاهليون يفعلون، بل هو أمر مشترك بين الرجال والنساء، ثم جاءت آيات المواريث بعد ذلك فبينت نصيب كل وارث. قال الإِمام الرازى ذكر الله - تعالى - فى هذه الآية هذا القدر، وهو أن الإِرث مشترك بين الرجال والنساء - ثم ذكر التفصيل بعد ذلك - فى آيات المواريث -، لأنه - سبحانه - أراد أن ينقلهم عن تلك العادة وهى توريث الرجال دون النساء - قليلا قليلا على التدريج، لأن الانتقال عن العادة شاق ثقيل على الطبع. فإذا كان دفعة عظم وقعه على القلب، وإذا كان على التدريج سهل. فلهذا المعنى ذكر الله - تعالى - هذا المجمل أولا ثم أردفه بالتفصيل " ومن العلماء من يرى أن المراد بالرجال الصغار من الذكور ومن النساء الصغار من الإِناث، وعلل مراده هذا بأن فيه عناية بشأن اليتامى، وفيه رد صريح على ما تعوده أهل الجاهلية من توريث الكبار من الرجال دون الصغار سواء أكانوا ذكورا أم إناثا.

السابقالتالي
2 3