الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

وقوله - تعالى - { وَٱبْتَلُواْ } من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان. والخطاب للأولياء والأوصياء وكل من له صلة باليتامى. والمراد ببلوغ النكاح هنا بلوغ الحكم المذكور في قوله - تعالى -وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ } وقوله { آنَسْتُمْ } أى تبينتم وشاهدتم وأحسستم. قال القرطبى { آنَسْتُمْ } أى أبصرتم ورأيتم ومنه قوله - تعالى -فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } أى أبصر ورأى. وتقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا. معناه تبصر. وقيل آنست وأحسست ووجدت بمعنى واحد. والمعنى عليكم أيها الأولياء والأوصياء أن تختبروا اليتامى، وذلك بتتبع أحوالهم في الاهتداء إلى ضبط الأمور، وحسن التصرف فى الأموال وبتمرينهم على ما يليق بأحوالهم حتى لا يجىء وقت بلوغهم إلا وقد صاروا فى قدرتهم أن يصرفوا أموالهم تصريفاً حسناً. فإن شاهدتم وأحسستم منهم { رُشْداً } أى صلاحا في عقولهم، وحفظا لأموالهم، فادفعوها إليهم من غير تأخير أو مماطلة. و { حَتَّىٰ } هنا لغاية، وهى داخلة على الجملة، فهى تبين نهاية الصغر، والجملة التى دخلت عليها ظرفية فى معنى الشرط. قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف نظم الكلام؟ قلت ما بعد { حَتَّىٰ } إلى قوله { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } جعل غاية للابتلاء، وهى { حَتَّىٰ } التى تقع بعدها الجمل. والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية، لأن إذا متضمنة معنى الشرط. وفعل الشرط { بَلَغُواْ النِّكَاحَ } وقوله { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } جملة من شرط وجزاء واقعة جواباً للشرط الأول الذى هو إذا بلغوا النكاح. فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم. فإن قلت فما معنى تنكير الرشد؟ قلت معناه نوعا من الرشد وهو الرشد فى التصرف والتجارة. أو طرفا من الرشد ومخيلة من مخايلة حتى لا ينتظر به تمام الرشد ". ثم نهى - سبحانه - والأوصياء وغيرهم من الطمع فى شئ من مال اليتامى فقال - تعالى - { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ }. أى ادفعوا أيها الأولياء والأوصياء إلى اليتامى أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ، ولا تأكلوها مسرفين فى الأكل ومبادرين بالأخذ خشية أن يكبروا، بأن تفرطوا فى إنفاقها وتقولوا ننفقها كما تريد قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. والإِسراف فى الأصل - كما يقول الآلوسى - تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح. وربما كان ذلك فى الإفراط وربما كان فى التقصير. غير أنه إذا كان فى الإفراط منه يقال أسرف يسرف إسرافاً. وإذا كان فى التقصير يقال سرف يسرف سرفا ". وقوله { بِدَاراً } مفاعلة من البدر وهو العجلة الى الشئ والمسارعة إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5