الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

روى المفسرون فى سبب نزول الآية الكريمة روايات منها ما رواه أبو داود والنسائى عن على بن أبى طالب أنه كان هو وعبد الرحمن بن عوف ورجل آخر، قد شربوا الخمر. فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ قل يا أيها الكافرون. فخلط فيها. فنزلت { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ }. وروى الترمذى وابن أبى حاتم عن على بن أبى طالب قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر. فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة. فقدموا فلانا. قال فقرأ " قل يأيها الكافرون. أعبد ما تعبدون. ونحن نعبد ما تعبدون " فأنزل الله الآية. قال ابن كثير وقد كان هذا النهى قبل تحريم الخمر. كما دل عليه الحديث الذى ذكرناه فى سورة البقرة عند قوله - تعالى -يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الآية " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاهما على عمر. فقال اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا. فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه فقال اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا. فكانوا لا يشربون الخمر فى أوقات الصلاة - وفى رواية لأبى داود فكان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة ينادى لا يقربن الصلاة سكران - حتى نزل قوله - تعالى - فى سورة المائدةإِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } إلى قولهفَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فقال عمر انتهينا انتهينا. والمراد بالصلاة عند كثير من العلماء الهيئة المخصوصة من قراءة وقيام ركوع وسجود. والمراد بقربها القيام إليها والتلبس بها، إلا أنه - سبحانه - نهى عن القرب منها مبالغة فى النهى عن غشيانها وهم بحالة تتنافى مع جلالها والخشوع فيها. وقوله { سُكَارَىٰ } جمع سكران. وأصل السكر فى اللغة السد. ومنه قولهم سكرت الطريق أى سددته. ومنه قوله - تعالى - حكاية عن الكافرينوَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } أى انسدت فصارت لا ينفذ إليها النور، ولا ندرك الأشياء على حقيقتها. والمراد بالسكر هنا الحالة التى تحصل لشارب الخمر والتى يفقد معها وعيه، ويسد ما بين المرء وعقله. والجنب من أصابته الجنابة بسبب جماع أو احتلام أو غيرهما. وهذا اللفظ يستوى فيه - على الصحيح - الواحد، والمثنى، والجمع، والمذكر والمؤنث لجريانه مجرى المصدر، واشتقاقه من المجانبة بمعنى المباعدة. وعابر السبيل مجتاز الطريق وهو المسافر. أو من يعبر الطريق من جانب إلى جانب. يقال عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا. ومنه قيل عبر فلان النهر إذا قطعه وجازه. والمعنى يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن تؤدوا الصلاة وأنتم فى حالة السكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9