الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }

قال القرطبى ما ملخصه أجمع العلماء على أن هذه الآية - وهى قوله - تعالى - { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } - من المحكم المتفق عليه - ليس منها شئ منسوخ. وكذلك هى فى جميع الكتب. ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل وإن لم ينزل به الكتاب. والعبودية هى التذلل والافتقار لمن له الحكم والاختيار. فالآية أصل فى خلوص الأعمال لله وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره. وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله - تعالى - أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه ". والمعنى عليكم أيها الناس أن تخلصوا لله - تعالى - العبادة والخضوع، وأن تتجهوا إليه وحده فى كل شئونكم بدون أن تتخذا معه أى شريك لا فى عقيدتكم ولا فى عبادتكم ولا فى أقوالكم ولا فى أعمالكم، كما قال - تعالى -وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ } وهذه العبادة الخالصة لله - تعالى - هى حقه - سبحانه - علينا، فهو الذى خلقنا وهو الذى رزقنا وهو المتفضل علينا فى جميع الحالات. روى البخارى " عن معاذ بن جبل قال كنت ردف النبى - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عفيرة. فقال يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال فان حق الله على العبادة ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا ". وقد صدر سبحانه - تلك الوصايا الحكيمة التى اشتملت عليها الآية الكريمة بالأمر بعبادته والنهى عن أن نشرك به شيئا، لأن إخلاص العبادة له أساس الدين، ومداره الأعظم الذى بدونه لا يقبل الله من العبد عملا ما، ولأن فى ذلك إيماء إلى ارتفاع شأن تلك الوصايا التى سيقت بعد ذلك، إذ قرنها بالعبادة والتوحيد يكسبها عظمة وجلالا. وعطف النهى عن الشرك على الأمر بالعبادة لله - تعالى - من باب عطف الخاص على العام، لأن الإِشراك ضد التوحيد فيفهم من النهى عن الإِشراك الأمر بالتوحيد. ثم أوصى - سبحانه - بالإِحسان إلى الوالدين فقال { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }. أى عليكم أن تخلصوا لله العبادة ولا تشركوا معه شيئا، وعليكم كذلك أن تحسنوا إلى الوالدين بأن تطيعوهما وتكرموهما وتستجيبوا لمطالبهما التى يرضاها الله، والتى فى استطاعتكم أداؤها. وقد جاء الأمر بالإِحسان إلى الوالدين عقب الأمر بتوحيد الله، لأن أحق الناس بالاحترام والطاعة بعد الله - عز وجل - هما الوالدان لأنهما هما السبب المباشر فى وجود الإِنسان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10