الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }

روى المفسرون روايات فى سبب نزول قوله - تعالى - { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } الآية. ومن هذه الروايات ما ذكره القرطبى من أنها " نزلت فى سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبى زهير فلطمها فقال أبوها يا رسول الله، أفرشته كريمتى فلطمها. فقال صلى الله عليه وسلم " لتقتص من زوجها ". فانصرفت مع أبيها لتقتص منه. فقال - عليه الصلاة والسلام - " ارجعوا هذا جبريل أتانى " فأنزل الله هذه الآية. وقوله { قَوَّامُونَ } جمع قوام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشئ وحفظه. يقال قام فلان على الشئ وهو قائم عليه وقوام عليه، إذا كان يرعاه ويحفظه ويتولاه. ويقال هذا قيم المرأة وقوامها للذى يقوم بأمرها ويهتم بحفظها وإصلاحها ورعاية شئونها. أي الرجال يقومون على شئون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة والتأديب وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن. ثم ذكر - سبحانه - سببين لهذه القوامة. أولهما وهبى وقد بينه بقوله { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }. أى أن حكمة الله اقتضت أن يكون الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من قوة فى الجسم، وزيادة فى العلم، وقدرة على تحمل أعباء الحياة وتكاليفها وما يستتبع ذلك من دفاع عنهن إذا ما تعرضن لسوء. قال الفخر الرازى واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية. أما الصفات الحقيقة فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين. إلى العلم وإلى القدرة. ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر. ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء فى العقل والحزم والقوة. وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإِمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية فى النكاح. فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء ". والمراد بالتفضيل فى قوله { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل الآحاد على الآحاد. فقد يوجد من النساء من هى أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال. والباء للسببية، وما مصدرية، والبعض الأول المقصود به الرجال والبعض الثانى المقصود به النساء. والضمير المضاف إليه البعض الأول يقع على مجموع الفريقين على سبيل التغليب. وقال - سبحانه - { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ولم يقل - مثلا - بما فضلهم الله عليهن، للإِشعار بأن الرجال من النساء والنساء من الرجال كما قال فى آية أخرىبَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } وللإِشارة إلى أن هذا التفضيل هو لصالح الفريقين، فعلى كل فريق منهم أن يتفرغ لأداء المهمة التى كلفه الله بها بإخلاص وطاعة حتى يسعد الفريقان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7