الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

والأمر فى قوله { وَآتُواْ } يتناول كل من له ولاية أو وصاية أو صله باليتيم، كما يتناول الجماعة الإِسلامية بصفة عامة، لكى تتكاتف وتتعاون على تمكين اليتيم من وصول حقه إليه بدون بخس أو مماطلة. و { ٱلْيَتَامَىٰ } جمع يتيم وهو الصغير الذى مات أبوه، مأخوذ من اليتم بمعنى الانفراد. ومنه الدرة اليتيمة. قال صاحب الكشاف وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء، إلا أنه قد غلب ان يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال، فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم، وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم، زال عنهم هذا الاسم. وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم أبى طالب إما على القياس، وإما حكاية للحال التى كان عليها صغيرا في حجر عمه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد الحلم " فهو تعليم شريعة لا لغة. أى أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار ". والمراد باليتامى هنا الصغار، والمراد بإيتائهم أموالهم حفظها لهم وعدم الطمع فى شىء منها لا من قبل الورثة ولا من قبل الأوصياء ولا من قبل غيرهم وعلى هذا المعنى يكون لفظ الإِيتاء قد أول بلازم معناه وهو الحفظ والرعاية لمال اليتامى، لا تسليم المال إليهم لأنه من المعروف شرعا ألا يسلم المال إليهم إلا بعد البلوغ، إذ هم فى حال الصغر لا يصلحون للتصرف. ويكون هذا التعبير من باب الكناية بإطلاق اللازم - وهو الإِيتاء، وإرادة الملزوم وهو الحفظ، أو من باب المجاز بالمآل إذ الحفظ يؤول إلى الإِيتاء. ويرى بعضهم أن المراد باليتامى هنا الكبار الذين أونس منهم الرشد وأن المراد بالإِيتاء دفع أموالهم إليهم على سبيل الحقيقة. ويكون التعبير عنهم باليتامى - مع أنهم كبار - باعتبار ان اسم اليتيم يتناول لغة كل من فقد أباه، أو باعتبار قرب عهدهم بالصغر، أو باعتبار ما كان أى الذين كانوا يتامى. قالوا وفى التعبير عنهم باليتامى مع أنهم كبار، إشارة إلى وجوب المسارعة فى تسليم أموالهم إليهم متى أونس منهم الرشد، حتى لكأن اسم اليتيم ما زال باقيا عليهم، غير منفصل عنهم ويبدو لنا أن الرأى الأول أولى، لأن الأمر بدفع أموال اليتامى إليهم. بعد بلوغهم قد جاء صريحا فى قوله - تعالى - بعد ذلكوَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فكان حمل الآية التى معنا على أن المراد باليتامى الصغار، وبإيتاء أموالهم حفظها لهم، أولى وأقرب إلى المنطق، لأنه على الرأى الأول يكون الأمر وما يذكر به تأسيسات أحكام، وعلى الرأى الثانى يكون ما فى الآية الثانية مؤكدا لما فى الآية التى معنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10