الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله { طَوْلاً } أى سعة وقدرة وغنى فى المال. قال صاحب الكشاف الطول الفضل. يقال لفلان على فلان طول أى زيادة وفضل. وقد طاله طولا فهو طائل. قال الشاعر
لقد زادنى حبا لنفسى أننى بغيض إلى كل امرئ غير طائل   
ومنه قولهم ما خلا منه بطائل. أى بشئ يعتد به مما له فضل وخطر. ومنه الطول فى الجسم لأنه زيادة فيه ". والمراد بالمحصنات هنا الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات، وعبر عنهن بذلك، لأن حريتهن أحصنتهن عن النقص الذى فى الإِماء. والمراد بقوله { مِّن فَتَيَاتِكُمُ } أى من إمائكم وأرقائكم. والمعنى ومن لم يستطع منكم يا معشر المؤمنين الأحرار أن يحصل زيادة فى المال تمكنه من أن ينكح الحرائر المؤمنات، فله فى هذه الحالة أن ينكح بعض الإِماء المؤمنات اللائى هن مملوكات لغيركم. و { مَن } فى قوله { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } شرطية، وجوابها قوله، فمما ملكت أيمانكم، ويصح أن تكون موصولة ويكون قوله { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } هو الخبر. وقوله { مِنكُمْ } حال من الضمير فى { يَسْتَطِعْ } وقوله { طَوْلاً } مفعول به ليستطع. هذا، والآية الكريمة تفيد بمضمونها أنه لا يحل الزواج من الإِماء إلا إذا كان المسلم الحر ليس فى قدرته أن يتزوج امرأة حرة. ولذا قال بعضهم إن الله - تعالى - شرط فى نكاح الإِماء شرائط ثلاثة اثنان منها فى الناكح، والثالث فى المنكوحة. أما اللذان فى الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق. والثاني هو المذكور فى آخر الآية وهو قوله { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ }. وأما الشرط الثالث المعتبر فى المنكوحة فهو أن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة... ". وقد خالف الإِمام أبو حنيفة هذا الشرط الثالث فأباح للمسلم الزواج من الأمة الكتابية إن لم يكن عنده زوجة حرة فإن كان متزوجا بحرة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة مطلقا لا مسلمة ولا كتابية، وإن عقد عليها كان عقده باطلا وقد بنى حكمه هذا على أساس تفسيره للطول بأنه الزواج بحرة. أما المالكية والشافعية فقد قالوا الطول السعة والقدرة على المهر والنفقة فمن عجز عن مهر الحرة ونفقتها وهو قادر على الزواج من أمة فإنه يجوز له الزواج بها ولو كانت عنده زوجة حرة. وفى التعبير عن الإِماء بقوله { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } تكريم لهؤلاء الأرقاء، وإعزاز لإِنسانيتهن، وتعليم للمسلمين أن يلتزموا الأدب فى مخاطبتهم لأرقائهم ولذا ورد فى الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى، ولكن ليقل فتاى وفتاتى ". وقوله - تعالى - { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } جملة معترضة سيقت بين إباحة النكاح من الاماء المؤمنات وبين صورة العقد عليهن تأنيسا للقلوب، وإزالة للنفرة عن نكاح الاماء ببيان أن مناط التفاخر إنما هو الايمان لا التباهى بالأحساب والأنساب.

السابقالتالي
2 3 4