الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } * { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

قال القرطبى عند تفسيره للآية الأولى اختلفت الروايات وأقوال المفسرين فى سبب نزولها فروى البخارى عن ابن عباس قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا يزوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً }. وقال الزهرى وأبو مجلز كان من دعاتهم إذا مات الرجل يلقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبة ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذى أصدقها الميت. وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها. فأنزل الله هذه الآية { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً }. الآية. وقيل كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدى منه بمالها أو تموت فيرث مالها فنزلت هذه الآية. ثم قال القرطبى والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه فى جاهليتهم، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.. وهناك روايات أخرى فى سبب نزول هذه الآية هذه الآية ساقها ابن جرير وابن كثير وغيرهما، وهى قريبة فى معناها، مما أورده القرطبى، لذا اكتفينا بما ساقه القرطبى. وكلمة { كَرْهاً } قرأها حمزة والكسائى بضم الكاف. وقرأها الباقون بفتحها قال الكسائى وهما لغتان بمعنى واحد. وقال الفراء الكره - بفتح الكاف - بمعنى الإِكراه. وبالضم بمعنى المشقة. فما أكره عليه الإِنسان فهو كره - بالفتح - وما كان من جهة نفسه فهو كره - بالضم -. والمعنى يأيها الذين آمنوا وصدقوا بالحق الذى جاءهم من عند الله، لا يحل لكم أن تأخذوا نساء موتاكم بطريق الإِرث وهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه، لأن هذا الفعل من أفعال الجاهلية التي حرمها الإِسلام لما فيها من ظلم للمرأة وإهانة لكرامتها. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله " كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا، ويظلموهن بأنواع من الظلم، فزجروا عن ذلك. فقيل { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } أى أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكروهات ". وقد وجه - سبحانه - النداء إلى المؤمنين فقال { أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ليعم الخطاب جميع الأمة، فيأخذ كل مكلف فيها بحظه منه سواء أكان هذا المكلف من أولياء المرأة أم من الأزواج أم من الحكام من غيرهم. وفى مخاطبتهم بصفة الإِيمان تحريك لحرارة العقيدة فى قلوبهم، وتحريض لهم على الاستجابة إلى ما يقتضيه الإِيمان من طاعة لشريعة الله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8