الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

والتوبة هى الرجوع إلى الله - تعالى - وإلى تعاليم دينه بعد التقصير فيها مع الندم على هذا التقصير والعزم على عدم العودة إليه. والمراد بها قبولها من العبد. فهى مصدر تاب عليه إذا قبل توبته. والمراد من الجهالة فى قوله { يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } الجهل والسفه بارتكاب مالا يليق بالعاقل، لا عدم العلم، لأن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة. قال مجاهد كل من عصى الله عمداً أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. وقال قتادة اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شئ عصى الله به فهو جهالة عما كان أو غيره ". قال - تعالى - حكاية عن يوسف - عليه السلام -رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } وقال حكاية عن موسى - عليه السلام -أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } وقال - سبحانه - مخاطبا نوحا - عليه السلام -فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } ووجه تسمية العاصى جاهلا - وإن عصى عن علم - أنه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما عصى ربه، فلما لم يستعمل هذا العلم صار كأنه لا علم له، فسمى العاصى جاهلا لذلك، سواء ارتكب المعصية مع العلم بكونها معصية أم لا. والمعنى إنما قبول التوبة كائن أو مستقر على الله - تعالى - لعباده الذين يعملون السوء، ويقعون فى المعاصى بجهالة أى يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. وصدر - سبحانه - الآية الكريمة بإنما الدالة على الحصر، للإِشعار بأن هؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، هم الذين يقبل الله توبتهم، ويقيل عثرتهم. وعبر - سبحانه - بلفظ على فقال { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } للدلالة على تحقق الثبوت، حتى لكأن قبول التوبة من هؤلاء الذين { يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } من الواجبات عليه، لأنه - سبحانه - قد وعد بقبول التوبة وإذا وعد بشئ أنجزه، إذ الخلف ليس من صفاته - تعالى - بل هو محال فى حقه - عز وجل -. ولفظ { ٱلتَّوْبَةُ } مبتدأ. وقوله { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } متعلق بمحذوف خبر. وقوله { عَلَى ٱللَّهِ } متعلق بمحذوف صفة للتوبة. أى إنما التوبة الكائنة على الله للذين يعملون السوء بجهالة... وقوله { بِجَهَالَةٍ } متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل { يَعْمَلُونَ } أى يعملون السوء جاهلين سفهاء. أو متعلق بقوله { يَعْمَلُونَ } فتكون الباء للسببية أى يعملون السوء بسبب الجهالة.

السابقالتالي
2 3