الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } * { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

وقوله { وَصَدُّواْ } من الصد بمعنى المنع والانصراف عن الشئ. قال الراغب والصد قد يكون انصرافا عن الشئ وامتناعا نحويَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } وقد يكون صرفا ومنعا نحووَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } والمعنى إن الذين كفروا بالحق الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى وأعرضوا عن الطريق الذى أمر الله بسلوكه وهو طريق الإِسلام ولم يكتفوا بذلك بل منعوا غيرهم أيضا عن سلوكه. إنهم بفعلهم هذا { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } أى قد ضلوا - بسبب كفرهم وصدهم أنفسهم والناس عن الحق - ضلالا بلغ الغاية فى الشدة والشناعة. ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بما يجب الإِيمان به { وَظَلَمُواْ } أنفسهم بإيرادها موارد التهلكة، وظلموا غيرهم بأن حببوا إليه الفسوق والعصيان وكرهوا إليه الطاعة والإِيمان. إن هؤلاء الذين جمعوا بين الكفر والظلم { لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }. أى لم يكن الله ليغفر لهم، لأنه - سبحانه - لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولم يكن - سبحانه - ليهديهم طريق من طرق الخير، لكنه - سبحانه - يهديهم إلى طريق تؤدى بهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا، بسبب إيثارهم الغى على الرشد، والضلالة على الهداية، وبسبب فساد استعدادهم، وسوء اختيارهم. والتعبير بالهداية فى جانب طريق النار من باب التهكم بهم. وقوله { خَالِدِينَ فِيهَآ } حال مقدرة من الضمير المنصوب فى { يَهْدِيَهُمْ } ، لأن المراد بالهداية هداتيهم فى الدنيا إلى طريق جهنم. أى ما يؤدى بهم إلى الدخول فيها. وقوله { أَبَداً } منصوب على الظرفية، وهو مؤكد للخلود فى النار رافع لاحتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل. أى خالدين فيها خلودا أبديا بحيث لا يخرجون منها. وقوله { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } تذييل قصد به تحقير شأنهم، وبيان أنه - سبحانه - لا يعبأ بهم. والمراد وكان ذلك - أى انتفاء غفران ذنبوهم، وانتفاء هدايتهم إلى طريق الخير، وقذفهم فى جهنم وبئس المهاد - كان كل ذلك على الله يسيرا. أى هينا سهلا لأنه - سبحانه - لا يستعصى على قدرته شئ. ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ }. أى يأيها المكلفون من الناس جميعا، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته، بالهدى ودين الحق من ربكم، فآمنوا به وصدقوه وأطيعوه، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة. فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود، بعيدا أم قريبا.

السابقالتالي
2