الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

وقوله { وَٱللاَّتِي } جمع التى. وهى تستعمل فى جمع من يعقل. أما إذا أريد جمع ما لا يعقل من المؤنث فإنه يقال التى. تقول أكرمت النسوة اللاتى حضرن. وتقول نزعت الأثواب التى كنت ألبسها. وهذا هو الرأى المختار. وبعضهم يسوى بينهم فيقول فى الجمع المؤنث لغير العاقل اللاتى. وقوله { يَأْتِينَ } من الإِتيان ويطلق فى الأصل على المجئ إلى شئ. والمراد به هنا الفعل. أى واللاتى يفعلن { ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ }. والفاحشة هي الفعلة القبيحة. وهى مصدر كالعافية. يقال فحش الرجل يفحش فحشا. وأفحش إذا جاء بالقبح من القول أو الفعل. والمراد بها هنا الزنا. وقوله { مِن نِّسَآئِكُمْ } متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل { يَأْتِينَ } أى يأتين الفاحشة حال كونهن من نسائكم. والمراد بالنساء فى قوله { مِن نِّسَآئِكُمْ } النساء اللاتى قد أحصن بالزواج سواء أكن مازلن فى عصمة أزواجهن أم لا. وهذا رأى جمهور الفقهاء. وبعضهم يرى أن المراد بالنساء هنا مطلق النساء سواء أكن متزوجات أم أبكاراً. والمعنى أن الله - تعالى - يبين لعباده بعض الأحكام المتعلقة بالنساء فيقول أخبركم - أيها المؤمنون - بأن اللاتى يأتين فاحشة الزنا من نسائكم، بأن فعلن هذه الفاحشة المنكرة وهن متزوجات أو سبق لهن الزواج. { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } أى فاطلبوا أن يشهد عليهن بأنهن أتين هذه الفاحشة المنكرة أربعة منكم أى من الرجال المسلمين الأحرار. وقوله { فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } أى فإن شهد هؤلاء الأربعة بأن هؤلاء النسوة قد أتين هذه الفاحشة، فعليكم فى هذه الحالة أن تحبسوا هؤلاء النسوة فى البيوت ولا تمكنوهن من الخروج عقوبة لهن، وصيانة لهن عن تكرار الوقوع فى هذه الفاحشة المنكرة، وليستمر الأمر على ذلك { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } أى حتى يقبض أرواحهن الموت. أو حتى يتوفاهن ملك الموت. وقوله { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } أى أو يجعل الله لهن مخرجا من هذا الإِمساك فى البيوت، بأن يشرع لهن حكما آخر. وقوله { وَٱللاَّتِي } فى محل رفع مبتدأ. وجملة { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } خبره. وجاز دخول الفاء الزائدة فى الخبر. لأن المبتدأ أشبه الشرط فى كونه موصولا عاما صلته فعل مستقبل. وعبر - سبحانه - عن ارتكاب فاحشة الزنا بقوله { يَأْتِينَ } لمزيد التقبيح والتشنيع على فاعلها لأن مرتكبها كأنه ذهب إليها عن قصد حتى وصل إليها وباشرها. واشترط - سبحانه - شهادة أربعة من الرجال المسلمين الأحرار لأن الرمى بالزنا من أفحش ما ترمى به المرأة والرجل، فكان من رحمة الله وعدله أن شدد فى إثبات هذه الفاحشة أبلغ ما يكون التشديد، فقرر عدم ثبوت هذه الجريمة إلا بشهادة أربعة من الرجال بحيث لا تقبل فى ذلك شهادة النساء.

السابقالتالي
2 3 4