الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

وقوله { قَوَّامِينَ } جمع قوام وهو صيغة مبالغة من قائم. والقوام هو المبالغ فى القيام بالشئ وفى الإِتيان به على أتم وجه وأحسنه. وقوله { شُهَدَآءَ } جمع شهيد بوزن فعيل. والأصل فى هذه الصغية أنها تدل على الصفات الراسخة فى النفس ككريم وحكيم. والمعنى يأيها الذين آمنوا بالحق إيمانا صادقا. كونوا مواظبين على إقامة العدل فيما بينكم فى جميع الظروف والأحوال دون أن يصرفكم عن ذلك صارف، وكونوا " شهداء لله " أى مقيمين للشهادة بالحق ابتغاء وجه الله لا لغرض من الأغراض الدنيوية. ولا لمطمع من المطامع الشخصية، فإن الإِيمان الحق يستلزم منكم أن تعدلوا فى أحكامكم وأن تؤدوا الشهادة على وجهها. وفى ندائه - سبحانه - لهم بقوله { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تنبيه إلى الأمر الخير الذى ناداهم من أجله ودعاهم إلى تنفيذه وهو التزام العدالة فى كل أمورهم، وتحريك لعاطفة الإِيمان فى قلوبهم بمقتضى وصفهم - بهذه الصفة الجليلة. وعبر - سبحانه - بقوله { كُونُواْ قَوَّامِينَ } بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة والمداومة على الشئ، لتمكين صفة العدالة فى نفوسهم، وترسيخها فى قلوبهم. فكأنه - سبحانه - يقول لهم رضوا أنفسكم على التزام كلمة الحق، وعودوها على نصرة المظلوم وخذلان الظلم، وليكن ذلك خلقا من أخلاقكم. وسجية من سجاياكم، فلا يكفى أن تعدلوا فى أحكامكم مرة أو مرتين، وإنما الواجب عليكم أن تداوموا على إقامة العدل فى كل الأحوال، ومع كل الأشخاص. قال صاحب المنار وهذه العبارة - وهى قوله - تعالى - { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ } أبلغ ما يمكن أن يقال فى تأكيد أمر العدل والعناية به فالأمر بالعدل والقسط مطلقا يكون بعبارات مختلفة بعضها آكد من بعض تقول اعدلوا أو اقسطوا. وتقول كونوا عادلين أو مقسطين. وهذه العبارة أبلغ لأنها أمر بتحصيل الصفة لا بمجرد الإِتيان بالقسط الذى يصدق بمرة. وتقول أقيموا القسط. وأبلغ منه كونوا قائمين بالقسط. وأبلغ من هذا وذاك كونوا قوامين بالقسط. أى لتكن المبالغة والعناية بإقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم، بأن تتحروه بالدقة التامة حتى تكون ملكة راسخة فى نفوسكم. والقسط يكون فى العمل كالقيام بما يجب من العدل بين الزوجات والأولاد ويكون فى الحكم بين الناس... وقوله { شُهَدَآءَ } خبر ثان لكونوا. وقوله { للَّهِ } متعلق بمحذوف حال من ضمير { شُهَدَآءَ }. أى كونوا ملازمين للعدل فى كل أمروكم وكونوا مقيمين للشهادة على وجهها حالة كونها لوجه الله، لا لعرض من أعراض الدنيا. قال الفخر الرازى وإنما قدم - سبحانه - الأمر بالقيام بالقسط على الأمر بالشهادة لوجوه الأول أن أكثر الناس من عادتهم أنهم يأمرون غيرهم بالمعروف، فإذا آل الأمر إلى أنفسهم تركوه حتى أن أقبح القبيح إذا صدر عنهم كان فى محل المسامحة وأحسن الحسن.

السابقالتالي
2 3 4